
أمانى الموجى
أين يذهب دعم الفقراء؟
بعد حريق شطورة وما تولّد عنه من كشف المستور وإظهار الحقيقة التى تثبت كل يوم تلاعب التجار وسرقة دعم المواطن الفقير وأنه يذهب إلى غير مستحقيه، لا بد من إعادة النظر فى قضية الدعم لأنه ثبت أن أى شىء مدعم فى مصر يوجد به تلاعب من جانب مافيا تجارة السوق السوداء الذين يبيعون ضمائرهم من أجل المتاجرة فى قوت الغلابة.
قضية الدعم خطيرة وتحتاج من الحكومة إعادة نظر من أجل وضع النقاط على الحروف، وحتى يتوقف نزيف إهدار المال العام من خلال ما يسمى بالدعم الذى هو فى الغالب لا يصل إلى مستحقيه ولكن يتاجر به كثير ممن لا ضمائر لهم.
للأسف الشديد أن تجارة الوقود المدعم، التى كشفت عنها كارثة «شطورة» لا تحدث فى الظلام، بل تتم فى وضح النهار تحت سمع وبصر كافة الأجهزة الرقابية، حيث إن هذه التجارة ليست سرية بل تتم فى الطريق العام حيث توجد «فناطيس» وجراكن على النواصى بها بنزين وسولار وتشترى منها سيارات الميكروباص والتوك توك بل والملاكى، ولا أبالغ إذا قلت إن معظم سيارات الأجهزة الرقابية تمون منها.. هل هناك فساد أكثر من ذلك؟ ولم يعد شىء خفياً بل كله «على عينك يا حكومة»، والسؤال الآن: إلى متى سيظل هذا الفساد موجوداً؟ هل ذلك يرجع إلى قلة الأجهزة الرقابية فى مصر؟ الإجابة: «لا»، لأن لدينا عددا من الأجهزة يسد عين الشمس، لكن القضية أكبر من ذلك بكثير، المسألة تتعلق بغياب الضمير وانتشار الفساد لدرجة أنه أصبح ثقافة موروثة من خلال الحكومات والأنظمة السابقة.
أعتقد أن الحالة الاقتصادية التى وصلنا إليها تتطلب إعادة النظر فى الدعم، وهذا ما تفعله الحكومة حالياً، لكن بشكل تدريجى، ولذلك فإن الاستحقاق المعمم لدعم الطاقة غير المحدود يجعل النظام الحالى مختلا ويجب أن يكون هذا الدعم مخصصاً للفقراء ومحدودى الدخل فقط، ومع ذلك فإن أصحاب السيارات الفارهة يستفيدون أكثر بكثير من هذا الدعم، وحسب قول وزير التخطيط فإن 80٪ من دعم الطاقة يذهب إلى الأغنياء فقط.. فهل هذا معقول؟
الحكومة الحالية منذ بداية العام وهى قد بدأت تدريجياً فى تطبيق نظام البطاقة الذكية كجزء من خطتها للتخلص التدريجى من دعم الطاقة خلال خمس سنوات، وأعتقد أن ذلك سوف يأتى بنتيجة إيجابية سوف نشعر بها فيما بعد، وللأسف الشديد فإن مصر الدولة الوحيدة التى تدعم الوقود بهذا الشكل لدرجة أن الأغنياء يستفيدون قبل محدودى الدخل.. القضية خطيرة وتحتاج إلى المزيد من الضوابط، بحيث يكون الدعم للمستحقين فقط وبدلاً من أن يمتنع الأغيناء عن استخدام هذا الدعم فإن معظمهم يتفنن فى التلاعب من أجل استخراج بطاقة تموين للحصول على الزيت والسكر.. أعرف جيداً أننا بحاجة إلى سنوات عديدة من أجل انتشار ثقافة التكافل الاجتماعى، بحيث لا يحصل من لا يستحق الدعم ويترك الأمر للمستحقين حتى تتحسن أحوالهم المادية والمعيشية، وعندما يحدث ذلك سوف يكون هذا سبباً فى تحقيق التنمية والانطلاق نحو دولة قوية اقتصادية ولها تأثير عربى ودولى، لأن قوة الدولة تقاس بقوة شعبها، وهذا لن يحدث إلا إذا كان هناك عمل وإنتاج، والدعم يكون فقط على قدر محدود فقط ولمن يستحقه، أما أن يظل الدعم «سداح مداح» بلا رابط أو ضابط فلن نتقدم خطوة للأمام، ويجب أن نتكاتف من أجل تخفيض الدعم وترشيد نفقات الدولة من خلال المحافظة على مرافقها واستغلال الدعم على قدر الحاجة فقط، دون قيام البعض بالاتجار فى قوت الشعب سواء كان دقيقا مدعما أو رغيف عيش أو سولارا أو بنزينا ولذلك لا بد أن تتحرك الدولة للقضاء على «زفة وهوجة الدعم» بحيث يكون الأمر مقننا وتحدد الحكومة من هو مستحق للدعم بدلاً من أن الدعم مشاع للجميع.
الرئيس القادم لا بد أن يضع فى برنامجه الانتخابى الدعم كقضية أساسية بحيث يتخذ حلولاً جذرية لهذه القضية الشائكة والمعقدة التى فشل معظم الحكومات فى حلها.. على الرئيس القادم أن يكلف مستشاريه القانونيين بإيجاد تشريعات قوية وصارمة للحد من التلاعب فى السلع الاستهلاكية والوقود المدعم، ولن ينجح أى رئيس قادم فى إدارة البلد إلا إذا جعل الدعم قضية أساسية بحيث يكون هناك ترشيد كبير لدعم الطاقة، لأنه لن تتحرك الدولة خطوة للأمام قبل أن نقضى على تجار الدعم الذين أصبحوا مليونيرات بسبب الاتجار فى الدقيق والخبز والسولار والبنزين.