
أمانى الموجى
السياسة الضريبية.. بين علاج عجز الموازنة وتحقيق العدالة الاجتماعية
جاءت التعديلات الضريبية الأخيرة التى تم اقرارها لتثير الجدل فى الأوساط الاقتصادية بصفة عامة وبين خبراء الضرائب بصفة خاصة، وهناك مؤيدون ومعارضون لهذه التعديلات.
فالمؤيدون يرون أن هذه التعديلات الضريبية ضرورة لتحقيق حصيلة تساهم فى زيادة الإيرادات، وبالتالى المساهمة بنسبة فى علاج عجز الموازنة العامة للدولة، وأن هذه التعديلات لن يكون لها تأثير على محدودى الدخل وأنها تحقق العدالة الاجتماعية بين أصحاب الدخول المختلفة.
فى حين يرى المعارضون أن هذه التعديلات الضريبية تعد بمثابة عودة لعصر الجباية، وأنه تم إقرارها وفقاً لبرنامج الإصلاح الاقتصادى حتى تحصل مصر على قرض صندوق النقد الدولى بقيمة 4.8 مليار دولار.. وأن هذه التعديلات جاءت متسرعة دون دراسة أثرها الاجتماعى على المواطنين، وستؤدى لارتفاع الأسعار، واستمرار موجة الغلاء، وبالتالى فإن محدودى الدخل هم الفئة الأكثر تأثراً بهذه التعديلات الضريبية.
والسياسات المالية بصفة عامة والضريبة بصفة خاصة يجب أن ترتبط بأهداف تنموية وبخطط اقتصادية محددة، وهذا ما يتم فى أى دولة عند صياغة أى قوانين جديدة للضرائب أو اجراء تعديلات على السياسات المالية، لكننا فى مصر مازلنا نعمل بلا فكر واضح أو استراتيجية محددة.. ونفتقد الرؤى الشاملة، ولهذا دائماً ما يثار الجدل وتظهر الاعتراضات.. والنظام الضريبى فى مصر لابد أن يتحول ليكون أداة للتنمية وجذب الاستثمارات وتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع الفئات.
لابد أن يتغير مفهوم وفلسفة الضرائب من مجرد كونها أداة جباية لتصبح عنصراً يتم استخدامه فى تحقيق أهداف نسعى لتحقيقها.
ولا يجب أن يكون الأمر مجرد تحقيق أكبر حصيلة فقط لكن لابد أن تتم مراعاة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التى تشهدها البلاد.
ومصر حالياً تعانى أزمة اقتصادية وعجزا كبيرا فى الموازنة العامة للدولة.. والسياسة الضريبية لابد أن تلعب دوراً مهماً للخروج من هذه الأزمة، ويمكن أن تكون أداة لتحقيق التنمية التى نريدها بشرط أن تكون هناك فلسفة واضحة ومحددة نعمل على تطبيقها.
الأمر يتطلب أولاً ضرورة توعية المواطن بأهمية الضريبة، وأن ما يتم سداده يعود عليه فى صورة خدمات ومرافق بصورة جيدة، وأن يشعر المواطن بأهمية ذلك فعلاً وهذا قد يجعل المواطن يغير من فكرته عن الضرائب وضرورتها للتنمية بالبلاد.
والأهم أيضاً أن يشعر المواطن بأن هناك عدالة اجتماعية فى تحصيل الضريبة، بحيث يتحمل الأكثر دخلاً العبء الأكبر.
إن جانب التوعية مهم جداً فى ما يتعلق بالضرائب واقناع المواطن بها.
وفلسفة السياسة الضريبية لابد أن تتواكب وخطط التنمية فى البلاد، بحيث تستخدم الاعفاءات الضريبية كوسيلة لجذب العمران لأى منطقة جديدة، ويتم منح حوافز مناسبة لتشجيع إقامة المشروعات والاستثمارات فى المناطق النائية، وهذا سوف يؤدى لجذب الاستثمارات لبعض المناطق فى مصر.
ويرتبط بذلك أيضا اعفاءات وتيسيرات للعاملين بهذه المناطق وهذا من شأنه أن يؤدى للتوسع فى العمران بدلاً من الازدحام والكثافة التى تشهدها مصر فى منطقة قليلة لا تتجاوز 6٪ من مساحة مصر.
وهناك مساحات واسعة فى الوادى الجدديد وسيناء تحتاج للتعمير وإقامة المشروعات بها كذلك هناك بعض المناطق فى صعيد مصر لابد من الاهتمام بها، وهذا قد يتحقق من خلال تيسيرات وحوافز ضريبية من شأنها تشجيع المستثمرين للتواجد بها.
ويمكن من خلال السياسة الضريبية أيضا المساهمة فى حل أزمة البطالة من خلال تيسيرات محددة للمشروعات التى تستقطب عدداً أكبر من الأيدى العاملة.
إن وجود فلسفة محددة للسياسة الضريبية أصبح ضرورة مهمة فى المرحلة الحالية، خاصة ونحن نحتاج لعودة الانتاج وجذب الاستثمار وانطلاق الاقتصاد المصرى من جديد.
أما الاستمرار فى فرض أعباء جديدة وزيادة سعر الضرائب لمجرد تحقيق حصيلة وموارد فقط فهذا لن يؤدى سوى لمزيد من الغضب والاحتقان والخلافات.
والأمر لا يتوقف عند الضرائب فقط لكن السياسة المالية تضم الجمارك أيضاً. ولابد أن تكون لها فلسفة مماثلة تحقق أهداف التنمية ولا تتعارض مع الاتفاقيات التجارية التى وقعت عليها مصر.
إن النظام الضريبى بجميع جوانبه فى حاجة لإعادة نظر وعلينا أن نتعلم من تجارب الدول الأخرى التى حققت نجاحاً فى هذا المجال.
علينا التوصل لنظام ضريبى يحقق التوازن فى المجتمع ويخدم الأهداف التى نسعى لتحقيقها.