مبادرة الحوكمة العالمية: بناء نظام حوكمة عالمية أكثر عدلاً وإنصافًا
في الثالث من سبتمبر، أُقيمت فعاليات مهيبة لإحياء الذكرى السنوية الـ80 للانتصار في حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية. هذا العرض العسكري الكبير في اليوم الثالث من سبتمبر لم يكن مجرد استذكار جليل للتاريخ، بل كان أيضًا إلهامًا عميقًا للمستقبل. وفي الوقت نفسه تقريبًا، طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة الحوكمة العالمية، مقدّمًا للمجتمع الدولي الحل الصيني لمواجهة التحديات العالمية. هاتان الحادثتان الكبيرتان تلتقيان عند قضية محورية واحدة: في ظل التغيرات المتسارعة والغير مسبوقة، كيف يمكن للبشرية أن تحافظ على السلام العالمي وتعزز التنمية المشتركة من خلال التعاون الدولي. مبادرة الحوكمة العالمية هي منتج عام دولي مهم طرحه الرئيس شي جين بينغ في 1 سبتمبر 2025 خلال اجتماع "منظمة شنغهاي للتعاون+"، وتتمثل مبادئها الأساسية في خمسة جوانب، هي: التمسك بالمساواة في السيادة، احترام القانون الدولي، ممارسة التعددية، الدعوة إلى نهج يركز على الإنسان، والتركيز على التوجه العملي. إن طرح هذه المبادرة له خلفية عميقة تتعلق بالمرحلة الراهنة. فبعد مرور ثمانين عامًا على تأسيس الأمم المتحدة، نواجه تحولات سريعة غير مسبوقة منذ قرن، واضطرابات إقليمية متكررة، وإعاقة التنمية الاقتصادية، وتصاعد نزعات مناهضة للعولمة، وغياب القواعد وسيادة القانون، وتفاقم عجز الحوكمة. وفي الوقت نفسه، يعاني النظام الدولي القائم من مشكلات عديدة، منها: نقص حاد في تمثيل الجنوب العالمي، وتآكل سلطته، والحاجة الملحة إلى تعزيز فعاليته. فإن بناء أي نظام حوكمة عالمية، وكيفية إصلاح وتحسين نظام الحوكمة العالمية، قد أصبحا قضايا كبرى تحظى باهتمام متزايد من المجتمع الدولي. التمسك بالمساواة في السيادة يؤكد على مشاركة جميع الدول بغض النظر عن حجمها أو قوتها أو ثروتها، على قدم المساواة في الحوكمة العالمية، وفي اتخاذ القرارات، وفي جني المنافع. هذا المبدأ يرد مباشرة على مشكلة نقص تمثيل الدول النامية في النظام الدولي القائم، ويجسد متطلبات عصرنا في ديمقراطية العلاقات الدولية. احترام القانون الدولي يقتضي الالتزام الشامل والوافي والكامل بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وسائر القواعد الأساسية المتعارف عليها للعلاقات الدولية، بما يضمن التطبيق المتكافئ والموحّد للقانون الدولي والقواعد الدولية، بعيدًا عن "المعايير المزدوجة"، ورفضًا لفرض "القواعد الخاصة" لقلة من الدول على الآخرين. وفي ظل تصاعد النزعات الأحادية والحمائية، يكتسب هذا المبدأ أهمية بالغة في حماية استقرار النظام الدولي. ممارسة التعددية تعني التمسك بمفهوم الحوكمة العالمية القائم على التشاور المشترك والبناء المشترك والتنافع المشترك، وتعزيز التضامن والتعاون، ومعارضة الأحادية، والدفاع بحزم عن مكانة الأمم المتحدة وسلطتها، والدعوة إلى نهج يركز على الإنسان في إصلاح وتحسين نظام الحوكمة العالمية، بما يضمن مشاركة شعوب جميع الدول في الحوكمة العالمية، وتقاسم ثمارها على نحو مشترك. أما التركيز على التوجه العملي فيؤكد على التمسك بالتخطيط الشامل، والدفع المتكامل، والتنسيق في الإجراءات العالمية، والتعبئة الكاملة لموارد الأطراف كافة، وإنتاج مزيد من النتائج الملموسة، ومن خلال التعاون العملي تجنّب التخلف في الحوكمة وتجنب تجزئتها. تشكل هذه المبادئ الخمسة معًا منظومة متكاملة لمفهوم الحوكمة العالمية، وتوفر خطة عملية لإصلاح وتحسين نظام الحوكمة العالمية. بمناسبة الذكرى الثمانين للانتصار في الحرب العالمية ضد الفاشية وتأسيس الأمم المتحدة، لم يكن العرض العسكري المهيب مجرد تكريم للتاريخ، بل كان أيضًا نداءً من أجل السلام والنظام. وفي هذا العام التاريخي الفاصل الذي يصل الماضي بالمستقبل، طرح الرئيس شي جينبينغ رسميًا مبادرة الحوكمة العالمية، بعد مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، من أجل تحسين النظام الدولي، ودفع بناء نظام حوكمة عالمية أكثر عدلًا وإنصافًا، ومعالجة التحديات العالمية، بما يعكس الحكمة والحلول الصينية. جاءت مبادرة الحوكمة العالمية منسجمة مع التطلعات المشتركة لشعوب العالم، وملبية للاحتياجات الملحة للعصر الحالي، ومنذ طرحها حظيت بترحيب ودعم قادة الدول المشاركة والمنظمات الدولية، ومن المؤكد أنها ستنال اعترافًا واسعًا من المجتمع الدولي. الصين ومصر، باعتبارهما مهد حضارتين عريقتين، يجسد تعاونهما بعمق القيمة العملية لمبادرة الحوكمة العالمية. فمن خلال التبادل بينهما، المؤكد على استمرارية الحضارة وأهمية تطورها، أبرز الجانبان الحيوية التي تتمتع بها الحضارات القديمة في الحوكمة المعاصرة. كما أن المواءمة العميقة بين مبادرة "الحزام والطريق" و"رؤية مصر 2030"، تجعل الصين ومصر العاملين الفاعلين الفعليين للتعاون التنموي. وكلا البلدين يدعوان إلى الحوار والتشاور لحل النزاعات، ويرفضان الهيمنة والتدخل، وهو ما يتوافق بدرجة عالية مع مبدأي "سيادة القانون الدولي" و"النهج المرتكز على الإنسان" الواردين في المبادرة، ليكونا مدافعين للسلام والاستقرار. وفي وقت يحتاج فيه العالم بشدة إلى مفاهيم ونظم حوكمة أكثر فاعلية، تتألق مبادرة الحوكمة العالمية متداخلة مع الإرث الحضاري العريق للتفاعل الصيني–المصري، حيث يدفع البلدان معًا نحو بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلًا وإنصافًا، ليرسما يدًا بيد المشهد الفسيح لمجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
يانغ يي- القنصل العام لجمهورية الصين الشعبية بالإسكندرية