
احمد المرشد
عام جديد من العولمة والمبادرات الذكية
ونحن نودع عام 2016 بخيره وشره ونستقبل بعد ساعات قلائل بمشيئة المولي تعالي عامناالجديد، لن نكرر ما يقوله البعض إن ما كان ذهب وولي، أو إن الماضي لم يعد جزءا منا، فهذاكلام بعيد عن العلم، فالماضي جزءا مهما في تكوين الشعوب، بل ربما يكون أهم مكونلمستقبلهم. وحتي لا أبدو وكأنني أتحدث فقط، سأستشهد بوقائع حدثت في الماضيولكنها تمثل لنا نبراسا أو رؤية للغد، غد أفضل انتظرناه ونتمني أن يبدأ اليوم، فما بين الماضيوالحاضر أو المستقبل سنوات قليلة ستنقضي لنكون أمام أكبر تحدي في تاريخنا، الاقتصاديعلي الأقل، فتاريخنا وحاضرنا السياسي نحن راضون عنه وبانجازاته الضخمة التي يشهد بهاالقاصي قبل الداني، ويكفي أن ما سأتحدث عنه الآن فكرنا به منذ سنوات طويلة وكانتالبحرين سباقة أو قاطرة لغيرها في تبني نفس الرؤية، وأقصد "رؤية 2030 الاقتصادية".
في أكتوبر من عام 2008، أعلن عاهل مملكة البحرين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفةعن مباركته تدشين "رؤية مملكة البحرين الاقتصادية حتى العام 2030"، والتي تضمنت لأولمرة تقديم برنامج اقتصادي متكامل، و جاء في الوقت المناسب، إذ يحتاج المواطنون الي رؤيةاقتصادية تدلهم على الطريق وسط ما يمر به العالم من متغيرات. ليس هذا فقط، فقد حددالملك حمد الهدف والمبتغي من هذه الرؤية، أتعلمون من كان الهدف؟ أنه المواطن البحريني.وهنا أنقل عن جلالة الملك قوله في تدشين هذه الرؤية: "إن هذا البرنامج ملزم لجميع الدوائرالرسمية، مع ضمان حقها في مناقشة البرنامج وتطويره، لا عذر لأي شخص في العمل يسيرلوحده خارج إطار الرؤية المطروحة، والهدف من هذه الرؤية الاقتصادية للعام 2030 هوالمواطن، الفرد البحريني، فالتنمية التي لا يكون المواطن هدفها لا فائدة منها ولا نريدها".
لقد سبقت البحرين العالم في تبني رؤية اقتصادية مستقبلية تكون دليلا اقتصاديا للحكومةوتدلها على الطريق وسط ما يمر به العالم من متغيرات، وخصوصا أن الاقتصاد العالمي أصبحمترابطا علي المستوي الدولي، وأصبح ما يؤثر في غرب العالم يؤثر أيضا في شرقه وشمالهوجنوبه. ليس هذا فحسب، ولكن قيادة المملكة وضعت المواطن نصب أعينها، وهذا لأنهاتعتبره ثروتها الحقيقية.
ونحن نقترب من تاريخ تحقيق هذه الرؤية، ربما يتعين علي كافة أجهزة الدولة الاستعداد لهامن الآن، والعمل علي تحقيق هدفها، وهو إسعاد المواطن البحرين كما حدد جلالة الملك وقتتدشينها، ولا ننسي هنا الهدف من "رؤية 2030" وهو زيادة دخل الأسرة الحقيقي الي أكثر منالضعف بحلول العام 2030، وهو ما أعلنه المسؤلون وقت إعلانها، لنصل الي مستوى معيشيأفضل لشعب البحرين نتيجة زيادة معدلات العمالة وارتفاع الأجور.. مع تهيئة السبل والفرصالتي تضمن للمواطن الحصول على عمل محترم يمكنه من إعالة نفسه وأسرته بكرامة وعزة.
لقد اقتربنا زمنيا من تطبيق رؤيتنا الاقتصادية العملاقة، ومن خلالها نطمح في الانتقال مناقتصاد قائم على الثروة النفطية إلى اقتصاد منتج قادر على المنافسة عالميا، ترسم الحكومةمعالمه، ويتولى القطاع الخاص الرائد عجلة تنميته بشكل يوسع الطبقة الوسطى منالمواطنين البحرينيين الذين ينعمون بمستويات معيشية عالية جراء زيادة معدلات الإنتاجيةوالوظائف ذات الأجور العالية.
حقا إنه الاقتصاد الذي سيدفع المجتمع والحكومة من تطبيق مبادئ الاستدامة والتنافسيةوالعدالة لكي تتهيأ لكل مواطن بحريني السبل التي تمكنه من تجسيد قدراته الكاملة، وعيشحياةٍ كريمة وآمنة.
ويدفعنا الحديث عن "رؤية 2030" الي الحديث عن إيجابيات الحكومة الذكية أو الإلكترونيةالتي تلائم العصر الذي نعيشه حاليا..فتلك الحكومة تعني تطوير ونشر وتنفيذ السياساتوالقوانين وإيجاد البنية الأساسية التي من شأنها تفعيل تقنية المعلومات والاتصال لإيجادمجتمع معرفي تتوفر فيه خدمات ذكية آمنة وأكثر فاعلية وملائمة لفئات المجتمعالمختلفة. وطالما نجح المجتمع في تحقيق هذا، فيمكنه إنجاز هذه الخدمات في أقل وقتوتكلفة ممكنة عن طريق استخدام المنافذ الذكية المختلفة . فالحكومة الذكية تستخدتقنية المعلومات والاتصال لتطوير العلاقات مع المواطنين وقطاع الأعمال وبين مختلفالجهات الحكومية. وبالتالي، فهي توفر بنودا كثيرة من ميزانياتها العامة حيث أنها تخفضتكلفة الأموال بصورة كبيرة في إدارة إعمالها، عبر التطبيقات الذكية والتي تغنينا عن الذهابالي الدوائر الحكومية المختلفة لتصريف شؤوننا، هذا ناهيك عن توفير الوقت أيضا. وثمة مثالبسيط علي إيجابيات الحكومة الذكية، يتمثل في توفير المال والوقت والجهد على جميعالأطراف المتعاملة بالحكومة الذكية، إضافة إلى تخفيض النفقات الحكومية، فبدلا من تشييدوبناء مبان قد تكلف الدولة ملايين الدنانير، يمكنها إنشاء مواقع إلكترونية آمنة للخدماتالعامة بأقل التكاليف .
ومن مميزات الحكومة الإلكترونية أو الذكية، تطبيق مبدأ الشفافية والحد من البيروقراطية،حيث تسهل مهمة المحللين والجمهور العام في جميع أنحاء البلاد تقييم ومناقشة القراراتالحكومية، وهذا الأمر بدوره يرتقي بمستوى الشفافية الحكومية ويخول الجميع للوصول إلىالمعلومات بحرية تامة، ويمنع الفساد بشكل فعال، حيث يستطيع المواطن الحصول علىالخدمات في أي وقت خلال 24 ساعة يوميا من دون تدخل من جانب الموظفين، وفي هذهالحالة لا مجال لأي تعطيل للعمل من جانب الموظفين والمسؤولين في الحكومة .
ايجابيات الحكومة الذكية كثيرة والمجال لا يسمح بتعدادها، ومنها زيادة مشاركة المواطنينفي عمل الحكومة، ويمكن أن يحدث هذا من خلال ربط جميع المواطنين في المملكة بحيثيتمكنون من إرسال واستقبال المعلومات بطريقة أكثر سهولة . والطريقة الأخرى تكون منخلال زيادة مشاركة الشباب في الحكومة، ويعلق بعض المدافعين عن هذه الفكرة بأن أجيالالمواطنين الذين نشأوا مع الإنترنت والتقنيات الرقمية في حياتهم اليومية سيكونون أكثراتجاها نحو المشاركة إذا كانت وسائل الاتصال تشبه الوسائل التي يستخدمونها في أنشطتهمالشخصية والمهنية، ويمكن بهذا المفهوم أن تزيد الحكومة الذكية من التفاعل بينالمواطنين من خلال توفير الفرصة لتبادل المعلومات وتفاعل الأشخاص الذين يشتركون فيالاهتمامات والأفكار والمخاوف بغض النظر عن البعد الجغرافي الذي يفصل بينهم .
وبما يتواءم أيضا مع الحكومة الذكية، فيتعين علينا تطبيق الحوكمة الرشيدة، وهو التعبيرالذي طغي علينا خلال الفترة الماضية، حيث يستفيد منه أعضاء المجلس والمديرينالتنفيذيين في تحقيق الأهداف واتخاذ القرارات بأفضل الطرق، وهو يضمن أيضا الالتزام تجاهالمنظمة والالتزام بالقوانين والأنظمة وحماية المصالح والموجودات، والأهم من كل هذا تحديدالمسؤوليات والمهام بما يضمن نجاح المؤسسات في الاستفادة من كافة مقدراتها، بما يعززالثقة والمصداقية، هذا بخلاف تبني بيئة وعلاقات عمل متميزة.
ولنا في مبادرات الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء وزير دفاع الإمارات، قدوة حسنة في تبنيالمبادرات العديدة لإسعاد المواطنين، منها إستحداث وزارتي السعادة والتسامح في الإمارات،ويكفينا ما ذكرته عهود الرومي وزيرة السعادة الإماراتية :" تحقيق السعادة في الإمارات يشملجميع فئات المجتمع وليس حكرا على المواطنين فقط"، ولم تكتف بالكلام، لأنها استعدتللمنصب بعمل إحصائيات ونظريات تؤكد كيف تسعد بها المواطن، لتؤكد أن الإمارات تطمحفي نطوير معايير السعادة حتى تتمكن من قياس مستواها وتحققها للمجتمع.
وهنا أود أن أنقل جملة مهمة ذكرتها وزيرة السعادة في الإمارات، أتعلمون ما هي؟ إنها أبسطما يمكن تحقيقه، بل حثها علينا ديننا الإسلامي الحنيف..أنه الترابط الاجتماعي، الذي يعدأهم عامل للسعادة.
لم يكتف الإماراتيون إستحداث وزارة للسعادة، بل وضعوا ميثاقا وطنيا للسعادة والإيجابية ،وأكدت حكومتهم التمسك بخلق البيئة الأسعد لمجتمع الإمارات، بعد اعتماد برامج لتصنيفأكثر بيئات العمل سعادة وإيجابية في القطاع الحكومي والخاص.. لأن "السعادة مفتاحالإنتاجية" حسب وصف الشيخ محمد بن راشد، الذي اعتبر السعادة والإيجابية أسلوب حياةوالتزام حكومي وروح حقيقية توحد المجتمعات وأن الإمارات في بداية مسار لتعلم كل يومشيء جديد، بما يعني توفير الخير والرضا في المجتمع.
ومن السعادة الي التسامح الذي هو أيضا مبدأ من مبادئ الدين الإسلامي، فكان للإمارات السبقفي تعيين وزير الدولة للتسامح، تكون مهمته العمل علي ترسيخ التسامح كقيمة أساسيةفي مجتمع الإمارات..هذا ما يعني أن كل مجتمعات العالم في حاجة الي المبادرات، ليست التعليمية أو الاقتصادية او السياسية فقط، وإنما مبادرات مجتمعية أيضا، ليشعر كل مواطنيأي بلد بأن حكومتهم تعمل من أجل إسعادهم ورفع مستوي معيشتهم.
وإذا كنا قد تحدث عن المبادرات الذكية والحكومة الإلكترونية، فيتعين علينا الحديث ولوبسرعة عن "العولمة"، هذه الصيحة العالمية التي اختلف العلماء في وضع مفاهيم معحددةلها، ولذا، تعددت مضامينها وشملت تعريفات كثيرة حيث أنه ليس هناك تعريف واحد محددولكن بعض العلماء عرفوا العولمة على حسب منظورهم. فمن بين تعريفاتها ما يرتبطبالتاريخ، أي فعل تاريخي متواصل، وهو حصيلة المعركة الجارية بين المكونات العالمية أوالنماذج الحضارية المختلفة التي يؤمن أصحابها بأن لهم رسالة تحدد المثال الإنساني الأعلى.
وعلي المستوي الاقتصادي، تعني العولمة إزالة الحدود الاقتصادية والعلمية والمعرفية بينالدول ، ليكون العالم أشبه بسوق موحدة كبيرة تضم عدة أسواق ذات خصائص ومواصفاتتعكس خصوصية أقاليمه. وتعتبر العولمة ظاهرة بشرية ومعرفية وموضوعية تعيشها دولالعالم، كل بقدر نصيبها من المؤشرات آنفة الذكر ، ولذا يمكن النظر إلى العولمة في مضمونهاالموضوعي باعتبارها حالة تاريخية ناتجة عن تطورعالم البشرية ككل، وأسهمت فيه جميعحضاراتها وشعوبها. في حين اهتم صندوق النقد الدولي بوضع تعريف خاص للعولمة، والتييراها أنها عبارة عن التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتمه ازدياد حجمالتعامل بالسلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود إضافة الي تدفق رؤوس الأموال الدوليةوالانتشار المتسارع للتقنية في أرجاء العالم كله. ولكن محبي الهيمنة الأمريكية فهم يفضلونتعريفها علي أن فرص للسيادة الأمريكية علي العالم وصياغة جديدة لمنظومة القوة القديمة،لأن الفكر الإستراتيجي لا يخترع إنما يعيد الصياغة مع تغيير العصور، فهذا الاصطلاح (العولمة)اسم مخفف ومهذب يجري تسويقه من قبل الدول العظمى ، وخاصة الرأسمالية، وهو أحدمحطات الاستعباد والاستغلال.
انتهي العام، ولكن لم تنته آمانينا بحياة أكثر سعادة ونجاحا سياسيا واقتصاديا