
احمد المرشد
انقلاب «جاستا» الأمريكى على العرب.. فليشرب الأمريكيون من البحر
قرأت كثيرا عن مشروع قانون "جاستا" الأمريكى أو ما يطلق عليه " العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذى أقره الكونجرس الأمريكى بموافقة مجلسيه الشيوخ والنواب بأعضائه الجمهوريين والديمقراطيين. وقبل التعليق عليه اليوم، لا أكترث بما كتبه البعض وأثاروا فزعنا منه وأدخلوا الرعب فى قلوب العرب عموما والسعودية خصوصا، فمشروع القانون لا يهمنا فى شىء، وأراه مسألة محلية أمريكية بحتة ولا يجب أن يخيفنا ولا أن نخشاه، فالأمريكيون لا هم لهم سوى ابتزاز العرب شعوبا وحكومات وقيادات، والأمريكيون لا يريدون لنا أن نعيش فى سلام، فهم يريدوننا فقط تحت أقدامهم، ولا يجب أن يغضب منى أحد من هذا التعبير، فهذا ما يريده الأمريكيون لنا، هم يرون أن "وضعنا" يجب أن يكون تحت سيطرتهم تماما وأن نكون فى حالة هلع وفزع منهم، ورأيى هو أنهم إذا أرادوا تطبيق هذا القانون الناقص فليطبقوه داخل بلادهم وليس بلادنا فهو غير صادر عن الأمم المتحدة.. مشكلة الأمريكيين انهم يعملون "زيطة وزمبليطة" مثل التعبير المصرى، وهذا لتحقيق مرادهم الخاص بتأليب الشعوب العربية ضد قادتهم، ورسالتى هى أن يتركونا فى حالنا، وأن نبادر نحن العرب جميعا باعطائهم درسا فى القانون الدولى ونقلب عليهم الطاولة، وهذا لن يأتى سوى بتكاتفنا جميعا ومطالبة الأمم المتحدة بارغام الحكومات الأمريكية المتعاقبة بأن تدفع لنا تريليونات الدولارات تعويضا عن تخريبهم للدول العربية وقتل شعوبها، وأتحدث تحديدا عن حقوق العراق والعراقيين، اليمن واليمنيين، ليبيا والليبيين، فلسطين والفلسطينيين، الصومال والصوماليين، وشعوب اخرى مثل أفغانستان وفيتنام ولاوس وكمبوديا واليابان.. والى التفاصيل كما يقولون فى نشرات الأخبار.
ما يجب التأكيد عليه حتى وقتنا الراهن، أن "جاستا" لا يزال مجرد مشروع قانون وافق عليه الكونجرس الأمريكى كما ذكرت، وهو يعد انقلابا قانونيا يقوده برلمان محلى على المبادئ القانونية المتعارف عليها دوليا، لأن ما أقره هذا الكونجرس، ليس سوى خروجا على الحصانات السيادية للدول، ويضعه فى مقام "المجلس التشريعى العالمى"، أى برلمان دولى، وليس للولايات المتحدة، وهذا أمر غير موجود فى العالم بالقطع.
وبغض النظر عما سيكون عليه موقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما من المشروع- رفضه أم وافق عليه وهذا مستبعد حاليا- فإن المشروع سيخرج إلى النور سواء فى ولاية أوباما أو من سيخلفه، لأنه فى حالة رفضه حاليا سيعاد طرحه على الكونجرس ويتطلب اعتباره قانونا موافقة ثلثى أعضائه وهو أمر سهل مع حالة الميوعة التى نراها من نواب الشيوخ والنواب حاليا.
نعلم يقينا أن المشروع يجيز لضحايا الأعمال الإرهابية التى وقعت فى الولايات المتحدة الأمريكية (والمقصود تحديدا تفجيرات ١١ سبتمبر 2001) أو لعائلاتهم مقاضاة حكومات أجنبية- السعودية تحديدا- والحصول على تعويضات مالية عن الأضرار الناشئة عن هذه الأعمال الإرهابية.
المثير للدهشة أن من وضع هذا المشروع يريدون تنصيب الكونجرس الأمريكى مجلسا تشريعيا دوليا يتولى إصدار تشريعات ملزمة لدول العالم، وبما يمنح المحكمة العليا الأمريكية ولاية تطبيق هذه التشريعات فى مواجهة دول أجنبية ذات سيادة؟ وهذا أمر خطير يجب تضافر الجهود الدولية لمناهضته، بمعنى أنه لا يهمنا نحن العرب فقط ولكن بقية بلدان المجتمع الدولى مجتمعة، فمن الخطورة بمكان أن يترك العالم الولايات المتحدة تحدد لهم من هو الإرهابى من الجيد، الشرير من الطيب، وأن تتولى المحكمة العليا الأمريكية مسئولية تطبيق الأحكام على الدول وليس الأفراد. فهذا المشروع بالإضافة إلى مخالفته للحصانات الدبلوماسية المعترف بها للدول ذات السيادة وفقا للقانون الأمريكى نفسه الذى لا يجيز مقاضاة حكومة دولة أجنبية أمام المحاكم الأمريكية، فهو يضيف بنودا للقانون الأمريكى بمحاكمة الأفراد والمنظمات والحكومات الأجنبية أمام المحكمة العليا الأمريكية، تحت أى شبهة سواء عن عمد أو تقصير فى توفير الدعم المالى، الفنى، بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأشخاص أو منظمات بما ينطوى على خطر ارتكاب أعمال إرهابية تهدد الأمن القومى للولايات المتحدة، أو أمن مواطنيها، أو سياستها الخارجية أو اقتصادها.
كما أنه من الخطورة بمكان الاعتراف بهذا القانون الذى لا يستند إلى أى أساس قانونى لمساءلة (دولة) عن أفعال إرهابية ارتكبها (أفراد) يحملون جنسية هذه الدولة، هذا بدلا من محاكمة الإنسان نفسه بما أنه هو الذى ارتكب جريمة إرهابية، خصوصا أن الولايات المتحدة اعتقلت معظم المشاركين فى (تفجيرات 11 سبتمبر 2001) وعذبتهم فى جوانتنامو، أى أنها اقتصت منهم فى الواقع ثم وزعتهم على معتقلات أخرى فى بلدانهم. بمعنى أن الولايات المتحدة هى التى فرطت فى الإرهابيين وكان بيديها محاكمتهم محاكمة قانونية شرعية وليس فقط تعذيبهم بما يخالف قواعد حقوق الإنسان التى تتشدق بها يوميا.. لكن للأسف، فالقانون الأمريكى المقترح يضع الدولة التى ينتمى اليها مرتكبو الجرائم الإرهابية، فى مقام الفاعل الذى ارتكب هذه العمليات، وهذا خطأ بالغ.
يبدو أن المشرع الأمريكى يرى نفسه الأكثر إلماما بالقانون الدولى بما يضعه فوق مستوى البشر من بقية دول العالم، حينما أورد بمشروع قانون "جاستا" فقرات تجنب توجيه أى دول فى العالم نفس العقوبة للولايات المتحدة، ويبدو أن هذا المشرع وضع فى باله وهو يعد لهذا القانون العراق وأفغانستان واليمن وليبيا، لما اقترفته القوات الأمريكية بأوامر مباشرة من البيت الأبيض من جرائم ضد شعوب هذه الدول. ولهذا تنبه الكونجرس الأمريكى واستبعد تطبيق القانون على ما تضررت منه الشعوب والدول جراء أعمال الحرب Acts of war.. فى حين وكما قرأت من متابعات قانونية، فإن هذه الدول المتضررة من أعمال الحرب الأمريكية بإمكانها تطبيق بنود نفس القانون على جرائم الحرب Crimes of war، هذا مع العلم بأن الولايات المتحدة ترفض حتى الآن الانضمام لنظام روما الأساسى المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، تجنبا لأن تطالها هذه الجرائم.
قلت فى البداية، ليس علينا أن نخاف أو نخشى من مثل هذه القوانين الافتراضية، فنحن أمة خليجية لا تخشى فى الحق لومة لائم، ونحن أمة خليجية لا تتعامل مع العالم عموما والولايات المتحدة خصوصا كتابع ومتبوع، نؤمر فنطاع، لكن الذى يحكم العلاقة بيننا هى المصالح المشتركة، رغم إدراكنا أن واشنطن- وكما هى عادتها- تبيع حلفاءها الاستراتيجيين ولسنا بحاجة إلى تعداد مواقفها مع حلفائها على مر التاريخ الذين تخلت عنهم فى لحظة، فهم كثر. وندرك أن الأمريكيين لم يعودوا أصدقاء، ليس السعودية فقط ولكن لكل دول الخليج، وتدرك واشنطن أن كل دول الخليج تقف قلبا وقالبا مع السعودية، تفعل ما تفعله الرياض، فإذا ابتعدت المواقف بين السعودية وأمريكا فطبيعى ألا نتخل عن السعودية.
بدأت وقلت، إنه علينا ألا نخشى مثل هذه القوانين الأمريكية، فالذى دفع الأمريكيون للتفكير فى مثل هذه الإجراءات الانتقامية هو أن السعودية أصبحت مشروعا قوميا ضخما صعب النيل منه، فهى لا تدير الحرب فى اليمن ضدالحوثيين فقط وإنما تواجه المد الإيرانى فى المنطقة، وتقف له بالمرصاد، وكانت قوية فى مواقفها ضد النظام السورى المدعوم من طهران، وأجهضت المشروع الإيرانى فى اليمن، كل ذلك بفضل قوتها العسكرية وامكاناتها الاقتصادية الهائلة التى من خلالها تحافظ على الاستقرار الاقتصادى وسوق النفط..ومعلوم أنه لو السعودية أرادت تغيير تقويم سعر النفط العالمى من الدولار لليورو لفعلت، لكنها دولة تعمل على استقرار السوق العالمى..ثم إن السعودية تعد ثانى مستثمر بعد اليابان فى سندات الخزانة الأمريكية ولو فكرت فى سحب هذه الاستثمارات لانهار سوق المال الأمريكى حيث سيصبح هشا آنذاك، وحينئذ سيندم الأمريكيون- أعضاء كونجرس وشعبا- على أى قانون يتخذونه.
قلنا إنه ليس علينا أن نخشى فى الحق لومة لائم، لأننا ندرك تماما أن الفترة الحالية هى فترة انتخابات للكونجرس الأمريكى وكذلك انتخابات رئاسة، وبالتالى هى فترة مزايدات وابتزاز، وكان يجب على المشرعين الأمريكان الرجوع أولا إلى قانون وزارة الخارجية الأمريكية، فالولايات المتحدة تعادى فقط الدولة التى تضعها الخارجية الأمريكية تحت لائحة الدول الراعية للإرهاب، وللعلم فإن هذه اللائمة تضم سوريا وإيران التى أعفتها واشنطن من الحظر الاقتصادى وأبرمت معها الاتفاق النووى لتدمرنا به.
ثم على الأمريكيين- خاصة مشرعيهم فى الكونجرس- العودة إلى أفلام هوليوود التى تؤكد مشاركة البيت الأبيض ووزارتى الخارجية والدفاع الأمريكيتين فى تأسيس وتمويل "القاعدة" فى أفغانستان لتضرب بها الوجود السوفيتى آنذاك، فهل سيحاكم هذا القانون القادة الأمريكيين فى هذا الوقت.. ولعلنا نذكر الأمريكيين بأن زكريا الموسوى أحد منفذى (تفجيرات سبتمبر 2001) كان يحمل الجنسية الفرنسية وجذوره إيرانية، فهل يطبق القانون على فرنسا بلده الجديد وإيران بلد المنشأ؟
وماذا إذا أقرت بقية الدول مثل هذا القانون لتطالب الولايات المتحدة بتريليونات من الدولارات على قتل أبنائها وتشريدهم وتدمير دولهم؟ ألن يرهق المواطن الأمريكى البسيط جراء هذه التعويضات الضخمة التى ستؤثر على الاقتصاد الأمريكى؟ نعلم أن الكونجرس الأمريكى يريد أن يعود بنا إلى عالم الهنود الحمر، فالأمريكيون اعتادوا أن ينهبوا الشعوب ويقضوا عليها كما قضوا على أصحاب الأرض هناك ودمروهم لكيلا يصبح لهم أى أثار أو تاريخ، وهم هكذا يريدون بنا نحن العرب.. وليس اخرا، يعن لنا سؤال وهو من أين ستمول أمريكا مساعداتها الأخيرة لإسرائيل والبالغة 38 مليار دولار؟ أتريد أن ندفع نحن بالنيابة عنها!