السوق العربية المشتركة | عميد دبلوماسيتنا.. ودور السياسة البحرينية تجاه القضايا العربية

السوق العربية المشتركة

الأحد 8 يونيو 2025 - 11:34
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
  عميد دبلوماسيتنا.. ودور السياسة البحرينية تجاه القضايا العربية

عميد دبلوماسيتنا.. ودور السياسة البحرينية تجاه القضايا العربية


لم تكن زيارة الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد أبوالغيط لمملكة البحرين مجرد زيارة عادية، فهى الأولى له كأمين عام للجامعة التى تواجه مهمة عسيرة وصعبة وأنواء عديدة، ربما كانت الأصعب فى تاريخها منذ نشأتها، حتى أصبحت الأزمات العربية متراكمة وعديدة ومتنوعة ولم تعد تقتصر على القضية الفلسطينية كأزمة محورية للعرب، ومن هنا نقول أن زيارة أبوالغيط للمنامة تعنى الكثير للعمل العربى، فالبحرين هى الدولة التى ترأست الدورة (145) لمجلس الجامعة، وهى الدورة التى شهدت اختيار وزير خارجية مصر الأسبق أمينا عاما للجامعة، ويشهد القاصى والدانى دور البحرين وتحديدا لعميد دبلوماسيتها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة فى انتخاب أبوالغيط، ومن هنا كانت أهمية زيارته الأولى لدولة عربية.

لقد أكد عميد الدبلوماسية البحرينية على مدى اجتماعات وجلسات هذه الدورة (مارس- سبتمبر2016) التى أدارها باقتدار مستلهما خبرته العريقة فى العمل الدبلوماسى، أن التحديات التى يواجهها العرب لا تقتصر على المخاطر السياسية والأمنية فحسب، بل هناك الكثير من التحديات الاقتصادية أيضا، ومن هنا كان يشدد معاليه دائما على أهمية أن يوليها العرب- أى الأزمات الاقتصادية- اهتماما شديدا.. كما كان يشير الى التحدى الأهم، والمتعلق بالأزمة المالية التى يواجهها كثير من الدول العربية، خاصة بعد تهاوى أسعار النفط وهبوطها إلى مستويات متدنية، الأمر الذى من شأنه أن ينعكس سلبا على استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى يسعى إليها العرب جميعا.

وخلال اجتماعات الدورة، وضع وزير خارجيتنا من خلال موقعه العربى يده على المشكلة والحل، وتتمثل المشكلة فى التحديات التى تواجه العرب، وعلى رأسها ظاهرة الإرهاب وانتشار الجماعات الإرهابية، واتخاذ أراضى الدول العربية مقرات لها لنشر فسادها وخطرها وإجرامها، والعمل على زعزعة الأمن والاستقرار بهدف المساس بوحدة العرب وتفريق شعوب الأمة وعزلها عن المجتمع الدولى، عن طريق بث الفتنة الطائفية وتشويه قيم ديننا الإسلامى الحنيف.

ومن استمرار احتلال إيران المتوصل للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، يؤكد دائما وزير خارجيتنا ضرورة استجابة طهران لمساعى الإمارات لحل هذه القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.. ودوما يؤكد معالى الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة رفض المملكة والعرب استمرار التدخلات الإيرانية فى الشئون الداخلية لدولنا، ومساندة الإرهابيين وتدريبهم وتهريب الأسلحة والمتفجرات ومواصلة التصريحات العدائية على كافة المستويات، التى تثير الفتنة الطائفية فى مجتمعاتنا. لم يترك معالى الوزير الأمر هكذا دون توضيح، فكان إصراره على الإشارة الى أن الجماعات الإرهابية فى البحرين ممولة ومدربة من الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله الإرهابى، ولم يكتف وزير الخارجية بالبحرين فقط، وكانت إشارته الى ما تعرضت له سفارة المملكة العربية السعودية فى طهران وقنصليتها فى مشهد.. فكل هذه أمثلة تدل على أن إيران لا تكترث بحسن الجوار والروابط الجغرافية والدينية التى تجمعنا بهم، ولا حتى بمبادئ الأمم المتحدة ولا القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.. وهنا كانت مطالبة إيران بضرورة الكف فورا عن هذه الممارسات التى تمس سيادتنا واستقلالنا، وأن تغير سياستها مع دولنا بما يكفل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.

أما عن الأمين العام للجامعة العربية الذى كانت المنامة محطته الأولى عربيا، فقد عكف قبل تسلمه مهام منصبه كأمين عام للجامعة على قراءة كافة ملفاتها، ناهيك عن اطلاع مفصل لأعمال لجنة تطوير ميثاقها، ولم يكتف بذلك بل عكف أيضا على دراسة أوضاع كافة المؤسسات التى تتبع الجامعة، بالتزامن مع مقابلة كبار المسئولين داخل الجامعة العربية وخارجها ممن يمتلكون خبرة ورؤية فى كيفية تعزيز سبل العمل العربى المشترك واستعادة التضامن العربى.. لن نقول أن أبوالغيط كان فى حاجة الى كل هذه الدراسة المعمقة للجامعة، وإنما ليقترب أكثر من ملفات سيكون مسئولا عنها يوما ما.

نعلم أن من أولى مهام الرجل من واقع خبرته الدبلوماسية وكمسئول أول عن الدبلوماسية المصرية لفترة تقترب من ثمانى سنوات تقريبا (2004-2011)، إحياء دور الجامعة العربية وتعزيز قدرتها على مساندة العمل العربى المشترك.. واستعادة الهيبة للجامعة وكذلك مكانتها بين المنظمات الدولية والاقليمية.. ليصل الى المهمة الصعبة وهى الخروج من مأزقها الراهن بعد خمس سنوات عصيبة تعرضت لها المنطقة العربية وبالتالى الجامعة، ليس أقلها الخطر الداهم الذى يلاحق دولا عربية مثل سوريا واليمن وليبيا ودولا أخرى مثل العراق ولبنان، الأمر الذى يستنزف قدرات العالم العربى مما يؤدى اضعاف مكانته بين الامم.

ومن هنا، نقول إن الأمين العام للجامعة سيصل الى وضع نهاية لهذا المأزق العربى لأنه يضع ملف التضامن العربى نصب عينيه بما يمتلك من رؤية متكاملة لمشروع اصلاحى ضخم، يستهدف احياء دور الجامعة.

ربما نعيد فى هذا المقام رأى أبوالغيط فى واقعنا العربى، خصوصا أنه يعترف وبصراحة شديدة بأن الوضع العربى صعب للغاية، ومع ذلك فالرجل مستعد للمهمة الصعبة، وحسب قوله "لا مفر من الإقدام والمبادرة وابتكار الحلول والتفكير الخلاق".. أبوالغيط حدد المهام بالضبط: "المهم أن نبدأ وأن نرفض البقاء فى موقف الانتظار، فالمشكلات لن تحل نفسها بنفسها، والمهم أن يشمل التضامن العربى الجميع ويتحول إلى روح جديدة تلزم العرب جميعا تقديم مصالح الوطن العليا على أى مصالح آنية ضايقة".

ومع كثرة التحديات التى تواجه العمل العربى كمؤسسة الجامعة العربية وكدول عربية، نعلم أن الواقع العربى صعب وخطير تختلط فيه المصالح العربية العليا برؤى آنية ضيقة وطموحات وطنية عديدة، وليس غريبا أن يكون أبوالغيط ملما بكل هذه التحديات ومعها أسباب الداء، وبخبرته الدبلوماسية العريقة حدد طبيعة المشاكل العربية الراهنة، ليس توصيفا لها من الخارج فقط، ولكن ليضع الحلول الكفيلة بإنهاء التشرذم العربى، ومن أولوياته إنهاء الحرب اليمنية وإعادة دمج سوريا فى العالم العربى من جديد، ومواجهة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابى فى المشرق العربى (سوريا والعراق) والمغرب العربى (وتحديدا ليبيا).

إقليميا، يرى عميد الدبلوماسية العربية أن السبيل الوحيد للدفاع عن المصالح العليا للأمة العربية هو توحيد الإرادات العربية، ولا مناص عن ذلك فى مواجهة الطموحات المتزايدة لإيران وإسرائيل على حساب العالم العربى. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فهو يضع يده على جملة من الضروريات منها: حث الخطى نحو تطبيق معايير الحكم الرشيد فى العالم العربى، والتوافق على ضرورة احترام حقوق المواطنة والاخذ بالنهج العلمى، وبناء مجتمعات عربية قوية تقوم على العدل واحترام حقوق الانسان والالتزام بتكافؤ الفرص وتشجيع فرص المشاركة السياسية.. فكل هذه متطلبات ضرورية وأساسية لقيام دول عربية قادرة على رفض التدخل الخارجى فى شئونها الداخلية. هذا لأن الأمة العربية وكما يراها أبوالغيط "أمة حية قادرة على الدفاع عن نفسها ومصالحها وبناء مجتمعاتها".. وهنا يضرب مثلا بالتقدم الحادث فى منطقة الخليج كسبيل لإمكانية تقدم بقية الشعوب العربية أيضا.

وليس آخرا، أجد لزاما على كراصد للوضع الدبلوماسى أن أصل مباشرة الى دور الدبلوماسية البحرينية فى مجمل أداء الجامعة العربية على مدى الدورة الأخيرة، وكان منفذها الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة سفير مملكة البحرين لدى مصر ومندوبها الدائم للجامعة العربية، وكما ذكرت وطوال الفترة الماضية وعلى مدى ترؤس البحرين للدورة (145) لمجلس الجامعة العربية خلال الفترة (مارس-سبتمبر 2016)، كان للشيخ راشد جهده الواضح على أعمال الدورة، حيث اهتم بموضوع التدخلات الإيرانية فى شئون المنطقة الداخلية، واجتمعت اللجنة الرباعية المشكلة للتصدى للتدخلات الإيرانية وأصدرت عدة بيانات تدين تلك التدخلات بالاضافة الى تشكيل فريق عمل من المتخصصين من الدول المشكلة للجنة فى المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية.. كما كان لجهود مندوب المملكة لدى الجامعة جهده المشكور فى إصدار مجلس الجامعة قرار اعتبار منظمة حزب الله منظمة إرهابية. وكان لموضوع مكافحة الإرهاب دورا كبيرا قامت به مندوبية البحرين، حيث قرر مجلس الجامعة على المستوى الوزارى مجموعة من القرارات تضمنت تأكيد إدانة جميع أعمال الإرهاب وممارساته بكافة أشكالها ومظاهرها وأيا كان مرتكبوها وحيثما ارتكبت وأيا كانت أغراضها، وضرورة تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية لتعزيز قدرات العاملين فى مجال مكافحة الإرهاب فى الدول العربية.

ولعل من المهام الصعبة للدبلوماسية البحرينية فى إدارة ملفات الجامعة العربية برئاسة السفير الشيخ راشد بن عبدالرحمن آل خليفة، اجتماع لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين وإصدار قرار عنوانه "التحرك العربى لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية فى الجولان المحتل"، وكذلك إدانة الاستيطان الإسرائيلى وتأكيد الموقف العربى الداعم والمساند لحق سوريا فى المطالبة باستعادة أراضيها، مع مطالبة المجتمع الدولى ممثلا بمحلس الأمن باتخاذ التدابير اللازمة التى تفرض على إسرائيل الالتزام التام بتنفيذ القرارات ذات الصلة.

وربما نذكر هنا أيضا بموقف البحرين من تطورات الأوضاع فى سوريا خصوصا الاعتداءات التى تعرضت لها مدينة حلب، فقد صدر قرار عن مجلس الجامعة يؤكد تضامنه مع الشعب السورى إزاء ما يتعرض له من انتهاكات خطيرة.

وعلى المستوى الدولى، لعب الشيخ راشد دورا بارزا لدى ترؤسه الاجتماع الثامن والثلاثين للجنة كبار المسئولين العرب المعنية بقضايا الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل.

اجمالا.. لقد لعبت الدبلوماسية البحرينية دورها العربى باقتدار على مدى الدورة الأخيرة للجامعة العربية، وبما يتراءى مع صون المصالح العليا للوطن العربى وتعزيز سبل العمل المشترك وتقوية أواصر التضامن العربى.

أتمنى أن أكون من خلال هذا المقال التحليلى لسياسة مملكة البحرين الخارجية إزاء قضايا الأمة العربية المصيرية، أن يتضح للجميع جهود المملكة لتجاوز التحديات التى تواجهنا.