السوق العربية المشتركة | هل بات الخليج قاب قوسين أو أدنى من حرب إقليمية؟!

السوق العربية المشتركة

الأحد 8 يونيو 2025 - 12:01
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
هل بات الخليج قاب قوسين أو أدنى من حرب إقليمية؟!

هل بات الخليج قاب قوسين أو أدنى من حرب إقليمية؟!


لم يكن العرب فى حاجة إلى التحالف الروسى- الإيرانى العسكرى الذى كشف عنه إعلان طهران وموسكو فى نفس التوقيت أن الجمهورية الإسلامية وافقت على استقرار قوات عسكرية روسية فى قاعدة "نوجة همدان" الجوية٬ هذا التحالف لم يكن صادما للعرب فقط، بل للإيرانيين أيضا لدرجة أن يخرج وزير الدفاع الإيرانى حسين دهقان ليعلن على الملأ رفضه احتجاج بعض نواب البرلمان على استقرار القاذفات الروسية فى بلاده٬ ثم يتبجح فى نفس الوقت ليقول أنه غير مستبعد منح المزيد من القواعد الجوية على الأراضى الإيرانية للروس "إن تطلب الأمر".

استمر دفاع دهقان عن قرار استقرار طائرات روسية٬ وقال ردا على ما اعتبر انتهاكا للدستور إنه "لا صلة للبرلمان باستقرار الطائرات الروسية فى إيران". كما وصف موقف البرلمانيين من تقديم إيران قاعدة جوية لروسيا وانتهاك الدستور الإيرانى قبل أيام بـ"انطباعات خاطئة لعدم الاطلاع"٬ ثم يوجه كلامه للبرلمانيين فى حدة ليؤكد لهم أن الوجود الروسى فى قاعدة نوجة هو "قرار النظام"، أى بموافقة المرشد الأعلى على خامنئى، وكان هذا التأكيد ليخرس كل الألسنة المعارضة داخل بلاده.

تحليليا، لم يكن هذا القرار مفاجئا للعسكريين الروس والإيرانيين، لأن إعداد قاعدة جوية بحجم قاعدة نوجة همدان يستلزم عمل عام على الأقل لتجهيزها لاستقبال قاذفات عملاقة، وهذا قد يطرح سؤالا مهما عن احتمالات تعزيز الوجود الروسى العسكرى على الأراضى الإيرانية.. ولا يهمنا فى هذا المقام ما رأيناه من بعض الاحتجاجات داخل إيران، لأن القرار الأهم تم اتخاذه بالفعل، وهو استخدام الروس للأراضى الإيرانية.

والمشكلة حاليا لا تتركز فيما يصرح به الروس والإيرانيون، لكن فى الحقيقة المخفية فى القرار وهى تكثيف الغارات الروسية على المواقع السورية إمعانا فى حماية الرئيس بشار الأسد وقواته ودعم نظامه القمعى ضد شعبه الأعزل، فمجرد دخول قاذفات "تو 22 إم 3" و"سو 34" الروسية العملاقة فى الحرب، فهذا يعنى زيادة فعالية الغارات الروسية فى سوريا. حتى إن أعلنت إيران أن هذه القاذفات ستدك مواقع "داعش" فى العراق فهذا لن يغير من حقيقة الوضع بأن فاعلية الغارات الروسية على المواقع السورية ستزيد 3 أضعاف، فلنتخيل معا وضع الشعب السورى الأعزل وسط هذه الأجواء الجهنمية، فالقتلى سيتضاعف عددهم وكذلك المصابون والمشردون.

والمؤسف وبالتزامن مع التخاذل الأمريكى فى دعم المعارضة السورية المعتدلة، يأتى التقارب الاستراتيجى العسكرى الروسى الإيرانى لدعم النظام السورى٬ ليؤكد لنا وللجميع تصميم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على استكمال المعركة فى سوريا التى يتعاطى معها كمعركة ضد الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية. ولنا أن نتذكر أيضا أن موسكو قد تكون تمهد من خلال هذه الخطوة لعملية عسكرية جديدة وكبيرة فى سوريا بعد الهزيمة التى منى بها النظام والميليشيات الإيرانية والشيعية فى حلب. لنأتى إلى الرسالة الأهم وهى أن الرئيس الروسى يخاطب نظيره الأمريكى وهو على وشك مغادرة البيت الأبيض ويبلغه رسالة مفادها "إن روسيا بتحالفها العسكرى الجديد مع إيران أصبحت سيدة الشرق الأوسط ولم تعد تعتمد على القواعد السورية فقط"، فثمة انفتاح على إيران كما أكد وزير الدفاع الإيرانى أن بلاده مستعدة لخطوات أخرى لتقديم أى دعم تطلبه موسكو.

وربما نلقى الضوء هنا على ما ذكره الأدميرال على شمخاني٬ الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى، عندما قال: "لقد اتسمت علاقاتنا مع روسيا بطبيعة استراتيجية٬ وأنه فى سياق الحرب ضد الأعداء المشتركين٬ فإن كل قواعدنا متاحة لروسيا". المثير للدهشة فى هذا القول، أن أعلى مسئول أمنى فى إيران لم يبال بعاصفة الاحتجاج فى بلاده بسبب إعلان موسكو استخدام قواعد جوية إيرانية، وهذا مرجعه هو حساسية الإيرانيين الشديدة تجاه استضافة أراضيهم أى قوة أجنبية٬ وهو أمر لم يكن قد حدث حتى الآن. ولكن الإيرانيين وافقوا على رغبة بوتين الذى يحرص على إظهار أن حكومته تعود الآن إلى الشرق الأوسط كقوة أجنبية كبرى ذات نفوذ.. كما أن وزير الدفاع الإيرانى وشمخانى لم يراعيا حساسية الإيرانيين حيال استخدام أراضيهم، فهما أيضا لم يدركا أن الوجود العسكرى الروسى فى إيران ينتهك نص وروح دستور الجمهورية الإسلامية على السواء، حيث إن المادة 146 من هذا الدستور تحظر بوضوح استخدام الأراضى الإيرانية من قبل أى قوة أجنبية-حتى لو كان للأغراض السلمية- من قبيل عمليات إغاثة ضحايا الكوارث الطبيعية. هذا مع العلم بأن المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى الذى يترأسه الأدميرال على شمخاني٬ ليس مخولا بمنح أى دولة أجنبية الحق فى استخدام قواعد بلاده العسكرية وهذا وفقا للمادة 176 من الدستور٬ التى تحدد وضع ومسئوليات المجلس الأعلى للأمن القومى٬ وتنص بوضوح على أنه ليس مخولا بتقديم مثل هذه التنازلات لقوى أجنبية. لكن يمكن للمجلس فقط دراسة إمكانيات التعاون وعمل توصيات لا يمكن تنفيذها إلا بمصادقة مجلس الوزراء٬ ومجلس الشورى الإسلامى٬ والمرشد الأعلى. لكن فى الحالة الروسية، لم تتفق كل هذه الجهات السيادية فى منح التفويض للقاذفات الروسية لاستخدام قاعدة نوجة همدان، وفى هذا يمكن أن نستخلص أن ثمة توترا وتضارب مصالح فيما بين الجهات السيادية داخل إيران، أو تضارب فى وجهات النظر رغم ما يحاول الإيرانيون من تصويره بوحدة مواقفهم السياسية الخارجية.

حتى لو استعدنا ما ذكره على أكبر ولايتى٬ وزير الخارجية الإيرانى الأسبق والمستشار الحالى لخامنئى: "النظر شرقا كاستراتيجية هو نوع من الضمانة، نعرف أن النظام العالمى القديم قد انهار ولا أحد ولو كان أكثر أهل الأرض حكمة٬ يعرف ما سيجرى غدا.. وفى أوقات عدم اليقين٬ يكون من الحكمة والحصافة أن يكون لديك حليف قوى".

وهنا يعن لى إلقاء بعض التساؤلات، فهل لا تزال روسيا صديقة للعرب؟ روسيا، هذا البلد الذى كان ظهيرا للعرب، وكانوا يلجأون إليه أوقات الشدة والنكبات، هؤلاء الذين سارع إليهم بطل العروبة الراحل مؤمم قناة السويس وبانى السد العالى وبطل حرب الاستنزاف جمال عبدالناصر فنصروه، وهم الروس أيضا الذين كانوا خير عون وسند للرئيس المصرى الراحل أنور السادات بطل العبور فى حرب اكتوبر.. هل هم أولئك الأصدقاء؟ أهكذا يتحول الصديق إلى عدو يطعن من الخلف ونطلق عليه صديق! أهذه عادة البشر؟ ماذا نستطيع أن نسمى روسيا الآن التى وجهت لنا طعنة قاتلة بوضع يدها بيد بلد همه تصدير ثورته......؟ بإقامة قواعد لاستخدامها فى ضرب سوريا بدعوى محاربة الإرهاب! أى إرهاب يدعون! وحلب فيها إخوان وأشقاء، هم أبعد ما يكون عن الإرهاب الذى يتحججون به.. فهل لا تزال روسيا صديقا لنا؟

لا يهمنا فى هذا المقام ما إذا كان ولايتى يحاول وضع روسيا فى دور الحليف الاستراتيجى أو التكتيكى، لأن هذا سابق لأوانه، والذى يهمنى كعربى أولا وخليجى ثانيا، هو خطورة هذا التحالف على منطقتنا ككل، وسوريا والعراق تحديدا، لأن إيران سوف تستفيد من عملية توجيه الصواريخ الروسية بالتأكيد. والأمر برمته لن يكون مثلما يدعى البعض مجرد شهر عسل وينتهى بسرعة بين موسكو وطهران، فهو سيطول حتى تثبت روسيا لأمريكا أنها سيطرت تماما على مفاصل الشرق الأوسط، مقابل استفادة إيران من إعلان استراتيجيتها فى سوريا والإبقاء على نظام بشار الأسد الذى كلفها مليارات الدولارات حتى الآن، ويكون فى إمكان السلطة الإيرانية خداع الشعب وتصدير الوهم له بأنها تكلفت هذه المليارات من أجل حماية نظام شيعى هناك، وأن هدف الدولة الإيرانية هو الحفاظ على الأمن القومى الشيعى (الطائفى).. ويمكن لإضافة كل هذه الأسباب ذريعة روسية– إيرانية مشتركة، وهى أن الدولتين تعملان بشكل وثيق لأن كلتيهما لا تريد أن تتعرض للهزيمة فى سوريا.

من المؤكد أن تقارب موسكو– طهران سيكون على حساب علاقات روسيا مع الدول الخليجية التى فكرت يوما ما فى فتح علاقات جديدة مع موسكو، وتقديرى أن هذا التقارب سيتلاشى بفعل هذا التطور الجديد الذى سيجهض بالتأكيد الجهود المشتركة (خليج وروسيا) للتقارب على حساب علاقة الخليج مع الولايات المتحدة حليفها الاستراتيجى والتاريخى فى نفس الوقت. هذا مع العلم، بأن التقارب الخليجى– الروسى الذى شهدناه خلال الفترة الماضية قد أثار غضب واشنطن بشدة على كافة المستويات، سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

لقد استفادت إيران من الغرب والولايات المتحدة عندما وقعت الاتفاق النووى وحصلت على ودائعها التى كانت محظورة، وحاليا توسع تعاونها العسكرى مع روسيا، ليس فقط استيراد أسلحة وصواريخ، وإنما فتح مجالات تعاون جديدة من مجرد مشتر للسلاح إلى إخضاع روسيا لتكون دولة حليفة لهم فى حروبهما، وكذلك ربما يعيد هذا التحالف أجواء الحرب الباردة للمنطقة.

إجمالا.. لن نقول إن موسكو مستفيدة وحدها من التحالف العسكرى الأخير مع إيران، فطهران أيضا ستستفيد منه وبأشكال عدة لتضيف لمكتسباتها من توقيع الاتفاق النووى مع الغرب والولايات المتحدة، لتكون مستفيدا من الشرق والغرب معا، فهى دولة تلعب على كل الأحبال وتستخدم كل الحيل لتحقق طموحاتها، وللأسف، وقعت روسيا فى المحظور، وهو نفس المحظور الذى وقع فيه الغرب بتوقيعه الاتفاق النووى وتصديقه النوايا الإيرانية، ليكون تساؤلنا الأخير: "هل بات الخليج قاب قوسين أو أدنى من حرب إقليمية؟"