السوق العربية المشتركة | مكاسب بوتين وخسائر أوباما فى سوريا

السوق العربية المشتركة

الأحد 8 يونيو 2025 - 11:08
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
مكاسب بوتين وخسائر أوباما فى سوريا

مكاسب بوتين وخسائر أوباما فى سوريا


أمس السبت يكون قد مر نحو ثلاثة أسابيع على الاتفاق المبدئى حول سوريا الذى وقعه وزيرا خارجية روسيا سيرجى لافروف والولايات المتحدة جون كيرى، وهو الاتفاق الذى ذكرت الإدارة الأمريكية أنها ستكشف عن تفاصيله خلال أيام من توقيعه فى موسكو، لكن مرت هذه الأيام ولم تكشف مضمونه. ويبدو أن التراجع الأمريكى له أسباب عديدة من أهمها تغير الوضع على الأرض فى حلب وشبه عودة سيطرة قوات بشار الأسد على المدينة أو على الأقل معظمها بمساعدة ودعم عسكرى مباشر من روسيا، ناهيك عن ضعف موقف واشنطن عموما خاصة وأن الرئيس باراك أوباما يلملم حاجياته فى طريقه الى خارج البيت الأبيض.

ومع اضطراب الموقف الأمريكى فى التعامل مع قضايا المنطقة وعلى رأسها الأزمتان السورية والعراقية، يظهر فى الأفق فشل أمريكى جديد فى ما يتعلق بسوريا خاصة مستقبل الرئيس بشار الأسد، ومن الواضح أن واشنطن باتت على قناعة بقدرة الروس أكثر من الأمريكيين فى إدارة هذا الملف وتحديد خطوط العمل العريضة. فالإجماع شبه معدوم داخل الإدارة الأمريكية حول فائدة التعاون العسكرى مع موسكو فى سوريا أبعد مما هو قائم حاليا. وكما أسلفت، فالتطورات الأخيرة فى حلب حيث أحكم النظام وحلفاؤه محاصرتها بدعم مباشر من روسيا وضع الأمريكيين فى موقف ضعيف. هذا مع الوضع فى الاعتبار ما يمكن أن نسميه "المبادرة الروسية الجديدة" التى أبرمتها موسكو مع النظام السورى بشأن حلب، وتقوم على فتح ثلاثة ممرات إنسانية خاصة بالمدنيين، وممر رابع للمقاتلين الذين يرغبون فى الخروج منها. هذه المبادرة "الغريبة" كما يراها الغرب وجون كيرى، أثارت الكثير من اللغط وتضاربا فى القراءة، حيث وصفها امريكيون بأنها "محيرة" فيما حدد كيرى وصفه لها بأنها بـ"بمثابة خدعة"، لماذا؟ لأنها قد تطيح بإمكانيات التعاون بين واشنطن وموسكو.

ورغم التضارب فى المصالح بين موسكو وواشنطن من وراء العمل فى سوريا، إلا أن كيرى يوضح فى أكثر من مقابلة أن الإدارة الأمريكية أصبحت على قناعة تامة بأن حصول أى تقدم فى الملف السورى غير ممكن بدون العمل والتعاون مع موسكو. ولذا ما نرى الحلول السورية التى تعلن من حين لآخر تتم بين كيرى ولافروف اللذين يتفقان ربما سياسيا ويختلفان عسكريا، حتى إن هناك اختلافا فى السياسة ويتعلق بمصير بشار الأسد، يبقى أن يغادر المسرح، وإن جلس لفترة كم تكون مدتها، وما مدى موافقة بقية المعارضة السورية على ذلك فى ظل مطلب رئيسى لهم وهو ضرورة أن يغادر بشار الأسد المشهد السياسى وإلغاء أى دور له فى أى اتفاق مرتقب، فمستقبل سوريا لن يكون فى وجوده.

ورغم التوافق الروسى- الأمريكى ظاهريا فى المشهد السورى، إلا أن الأمريكيين باتوا على يقين بأن الروس يضعونهم أمام الوضع الصعب أو أمام الأمر الواقع، وهو ما يتجدد باستمرار حتى إن الأمريكيين لم يستطيعوا فى الوقت الراهن بالتنبؤ بما هو آت من روسيا من مواقف، فى ظل وضع صعب آخر وهو أن موسكو هى التى تملك زمام الأمور حاليا فى سوريا، دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا. ونذكر على سبيل المثال ما قدمته روسيا من دعم عسكرى ضخم لنظام بشار الأسد مكنه من فرض الحصار على مدينة حلب، ثم إطلاق المبادرة التى أشرنا إليها فى السابق والخاصة بالممرات التى تتيح للسكان، نظريا، الخروج الآمن، وفتح الباب أمام المقاتلين أيضا للخروج وتسليم سلاحهم، لكن من غير توفير أى ضمانات لما قد ينتظرهم عقب ذلك.

وعمليا على الأرض، فإن واشنطن أعربت عن غضبها حيال التنصل الروسى من اتفاقات سابقة مع الجانب الأمريكى، تتعلق معظمها بضرورة التوافق على الضربات الجوية ومحيطها وأهدافها، لكن سرعان ما تتراجع موسكو عن اتفاقاتها ما يثير حنق واشنطن، وهنا يتساءل دبلوماسيون أمريكيون مرافقون لجون كيرى فى أغلبية جولاته، عن مدى جدية موسكو فى تفاهماتها مع واشنطن، وعما إذا كانت خطتها تمكين النظام من كسب مزيد من الأراضى، خصوصا حلب التى كانت تعد الرئة الاقتصادية لسوريا والمدينة الثانية فيها. ومبعث الغضب الأمريكى هو أن استعادة حلب بالكامل يمثل تحولا جذريا فى مسار الحرب، ما سينعكس على مجمل الأوضاع العسكرية والسياسية فى سوريا.. وأولى ضحايا هذا التغير الميدانى ستكون بلا شك وساطة المبعوث الدولى ستيفان دى ميستورا، لماذا؟ لأنه فى هذه الحالة سيخرج النظام السورى بادعاء جديد مفاده أن الحرب على وشك الانتهاء، ولا فائدة إذن من المحادثات فى جنيف، خصوصا إذا نجحت المصالحات المحلية التى يريدها النظام التى تساندها موسكو.

يضاف الى كل ما سبق، أن الوقت يمثلا تناقضا أيضا فى المواقف بين موسكو وواشنطن، ففى العاصمة الروسية، لا يرى دبلوماسيوها أنهم فى عجلة من أمرهم بعكس الدبلوماسيين الأمريكيين وما يقف معهم من العواصم الغربية، فالوقت فى صالح موسكو وكلما نجحت فى تعزيز مواقعها فى سوريا أضافت لنفسها المزيد من الأوراق التى يمكن أن تساوم بها للحصول على مقابل سياسى أو اقتصادى فى أماكن أخرى مثل أوكرانيا فى نزاعها مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وإذا كانت المرحلة الراهنة بمثابة مرحلة مثالية للرئيس الروسى فلاديمير بوتين للحصول على أكبر قدر من التنازلات من الإدارة الأمريكية التى تستعد للرحيل، فإن الوقت الراهن لباراك أوباما هو الأصعب لأنه لن يحقق أى انجازات فى الفترة المتبقية له بالبيت الأبيض، وبالتالى تكون موسكو فى موقف الأقوى فى إدارة الأزمة السورية.

ومما يزيد الموقف الأمريكى غموضا أو تراجعا، ما قاله جون برينان٬ مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سى آى إيه)٬ عن "عدم تفاؤله" بمستقبل سوريا، حيث حمل كثيرا من الالتباس والتأويلات، وطرح أيضا كثيرا من علامات الاستفهام حول أبعاده، وعما إذا كان هذا الموقف يمهد لإخراج تسوية أمريكية- روسية، على نحو مخالف لرغبة الشعب السورى وكل دول المنطقة. وننقل هنا ما قاله بالحرف: "لا أعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سوريا موحدة مرة أخرى.. سوريا ربما لن تبقى على وضعها الذى كانت عليه قبل خمس سنوات من اندلاع الأزمة". فهذا الموقف الذى كشفه واحد من أكبر المسئولين الأمريكيين وفى صدارتهم وربما يكون أهم من جون كيرى نفسه لانه يتحدث عن الأرض والمعلومات وتحليلها، أصاب المعارضة السورية بالغضب الشديد، وجعلهم يعيدون مواقفهم من التعاون مع واشنطن وابلاغها بالمواقف على الأرض أولا بأول، كما أن تصريحات برينان أصابتهم بالخوف الشديد من الحل الذى ينبأهم بتقسيم بلادهم وعما إذا كان هذا هو موقف واشنطن غير المعلن.