
احمد المرشد
حديث سياسى فى ليلة رمضانية بالقاهرة
للقاهرة أجواؤها الرمضانية المميزة، وجال فى رمضان هذا بخاطرى كيف تصدى المصريون لقوى الشر الداخلية وأحبطوا مخططاتهم وأهدافهم التى رسمتها قوى الشر الأجنبية التى لاتريد لأمتنا الخير وعلى رأسها الولايات المتحدة، فهذه الدولة التى ينعتونها بـ"العظمى" هى الأفعى التى تتميز بالقدرة على تغيير جلدها باستمرار ليتلاءم مع البيئة والتربة التى تعيش فيها، فهى التى وقفت الى جانب ما يسمى الربيع العربى الذى انقلب الى خريف بفضل التحالف العربى ضد هذه القوى، فأمريكا التى وقفت مع الرئيس الإخوانى لمصر محمد مرسى بكل قوتها سرعان ما تغير لونها عندما أدركت انتصار ثورة ٣٠ يونيو وارادة الشعب المصرى بعد أن تيقنت لرغبة المصريين فى التغيير والوقوف خلف زعيمهم عبد الفتاح السيسى.
وبينما الشعوب تنتصر لإرادتها، نرى أمريكا تتقلب على بطنها وظهرها، فتارة مع الأنظمة وتارة أخرى تؤلب الشعوب على حكامها، أو بمعنى أصح القوى التى لا تحب الخير لأوطانها والتى تتآمر على قوى الخير ومحبى السلام كما فى دول الخليج والبحرين مثالا واضحا على ما أقول.. فهى تتدخل فى سياستها الخارجية وحتى فى القضاء الذى يعرف بنزاهته، وتحاول جاهدة التشكيك فى هذا القضاء، ما يعد تدخلا سافرا من تلك الدولة التى دوما تتباهى بديمقراطيتها وهى بعيدة عنها تماما عندما يتعلق الأمر بدولة أخرى، فهى تتصرف وكأننا نعيش فى القرون الوسطى، مثل القوى الذى يريد أن يأكل الضعيف.
وليس أدل على كلامى التقرير الذى ناقشه قبل فترة مجلس الشيوخ الأمريكى والذى تضمن اتهامات مباشرة وصريحة للشقيقة السعودية باضطلاعها بدور كبير فى تفجيرات 11 سبتمبر 2001، وهاجت وماجت الصحف الأمريكية، حتى أعلن جون كيرى وزير خارجية الولايات المتحدة كذب ما جاء به التقرير المشار إليه، وأن السعودية بريئة من كل هذه الاتهامات التى تتضمنها. ونشير هنا الى وصف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سى آى إيه CIA "جون برينان، العلاقات بين بلاده والسعودية بأنها الأفضل، خصوصا فى مجال مكافحة الإرهاب، وليؤكد أنه لا يوجد أى أدلة تشير إلى تورط السعودية- دولة أو مؤسسة- فى تفجيرا 11 سبتمبر.. وقال: "بوجود الملك سلمان ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان نشعر أن لدينا شركاء أقوياء وحقيقيين فى الحرب ضد الإرهاب، وأن ما يسمى (28 صفحة) هو جزء من تحقيق نشر عام 2002 بعد هجمات 11 سبتمبر واتضح لاحقا حسب نتائج التقرير أنه لا توجد أى أدلة تشير إلى تورط السعودية".. الأهم أن المسئول الأول عن المخابرات الأمريكية يعتقد- وهذا حسب كلامه- أن الصفحات الـ،28 سيتم نشرها، وأنه يؤيد نشرها، حتى يرى الجميع الأدلة على أن الحكومة السعودية غير متورطة، وأن كل التقييمات التى تبعت التحقيقات أثبتت ان من وراء هذا العمل هم القاعدة والظواهرى وما شابههما.
الذى يقول هذا الكلام مسئول أمريكى وليس فى بلد أخر، فما بالنا إذا كان بحجم مدير وكالة المخابرات نفسها، ثم يعترف بأن العراق تعرض طيلة سنوات للتدمير بسبب الصراع الطائفى والكراهية بين الشيعة والسنة، ويعترف أيضا بأن هناك جماعات وأفرادا سعوا إلى إذكاء الصراع الطائفى. وهنا يشير برينان صراحة الى دور الجنرال الإيرانى قاسم سليمانى قائد فيلق القدس الذى يلعب دورا قياديا نيابة عن إيران وقوة (القدس) فى العراق وسوريا ومناطق أخرى.. وقال برينان: "لست مقتنعا بأن كل ما يسعى إليه- سليمانى- هو إزالة التوتر الطائفى، بل على العكس هو يحاول أن يغذيه، ينبغى أن تتوقف قوة (القدس) وعناصر الحكومة الإيرانية عن دعم الجماعات الشيعية الطائفية".
ثم يخرج علينا المستشار الاستراتيجى للرئيس الأمريكى السابق جورج بوش ليؤكد أن النشاطات العدوانية الإيرانية وانتشارها فى سوريا واليمن ولبنان وغيرها، تحتم تعزيز الشراكة الاستراتيجية الخليجية- الأمريكية من أجل استعادة الاستقرار فى المنطقة.
وإذا تطرقنا الى شئوننا الداخلية وتحديدا سحب الجنسية من عيسى قاسم، فقد رأيت أن أعيد نشر تغريدتى "بوركت ياحمد خطوة موفقة ذلك القرار الذى أثلج الصدور بسحب الجنسية البحرينية عن المدعو عيسى قاسم.. سياستكم المباركة وضعتنا فى الطريق الصحيح وها نحن نسير معك وبك يا جلالة الملك على طريق العزم والحزم".. حقا طريق العزم والحزم، وهنا لن نلقى بالا بما يقوله الأمريكيون والغرب عن قراراتنا، ففرنسا أعلنت قانون الطوارئ وكذلك بلجيكا بمجرد التعرض الى حادث إرهابى واحد، فما بلد وشعب تعرض على مدى أشهر لحوادث واحتكاكات إرهابية ليل نهار بدون رادع. ولعلنا نشير هنا الى موقف الخارجية الأمريكية من قرار المنامة إغلاق جمعية الوفاق، فالموقف بحق يدعو للغيثان، ويصف "الوفاق" بأنها جمعية سلمية ويدعو البحرين الى العدول عن قرارها. وكان الأخطر فى تعليق واشنطن قول بيان الخارجية الأمريكية: "الوفاق تنظيم سلمى ولن نقبل قرار إغلاقها" وهنا وجه الاستغراب، فمن أين عرف الأمريكيون أن "الوفاق" تنظيم سلمى؟ وهل لو ظهر أعضاء الوفاق فى الولايات المتحدة وقرروا تحدى البيت الأبيض سيقبلهم الأمريكيون؟ بالتأكيد سيكون جزاء أعضاء الوفاق لو مارسوا مثل ما مارسوه هنا فى البحرين الطرد، بل الاعتقال والتعذيب أولا فى بلاد العم سام الذى يدعى أنه بلد ديمقراطى وهو عن الديمقراطية بعيد.
لم نكن نتوقع أن تعلن أمريكا تأييدها لمواقف المنامة السياسية، ولكننا أيضا لم نكن بحاجة الى كلام واشنطن عن العمل السلمى، فما أعلنته المنامة يحافط على استقرارها الداخلى وسلامها الاجتماعى، فالحكومة مخولة بممارسة مسئولياتها تجاه مواطنيها، وسيادتها على أراضيها، فى إطار الحفاظ على مبادئ المواطنة والتعايش السلمى فى مواجهة التنظيمات التى تعمل على أساس مرجعية سياسية دينية خارجية وتخلط ما بين العمل الدعوى والسياسى. وبالتأكيد تعلم الولايات المتحدة أن مثل هذه المنظمات التى تم وقفها تتلقى الدعم الخارجى وتنتهك الدستور والقانون ومؤسسات الدولة البحرينية، وتعمل على تأجيج الطائفية السياسية فى مواجهة مفهوم المواطنة، وتقديم غطاء شرعى للتطرف وتبرير العنف.
ما تعرضنا له هنا فى البحرين من إدانة أمريكية لما يجرى عندنا عندما نتخذ قرارا سياسيا يهدف الى حماية الوطن والاستقرار والسيادة، سبق أن واجهته مصر كثيرا من قبل الإدارات الأمريكية المختلفة، ونتحدث هنا تحديدا إدارة باراك أوباما التى لا تفوت أى فرصة لزعزعة الاستقرار فى مصر، ليس هذا فحسب، بل وزعزعة ثقة المصريين فى رئيسهم عبدالفتاح السيسى وقيادته لبلده. لن نتحدث كثيرا عن حجم المؤامرات الأمريكية والجهات السيادية والصهيونية التى تقف وراءها، بل نشير تحديدا الى تصريحات رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الأسبق الجنرال المتقاعد هيو شيلتون لصحيفة "وورلد تريبيون" الأمريكية التى كشف فيها أن إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما عملت على زعزعة استقرار الأنظمة فى كل من مصر والبحرين. ونقلت الصحيفة عن شيلتون فى أعقاب ثورة 30 يونيو المصرية بزعامة السيسى، على موقعها الإلكترونى، عن شيلتون الذى خدم فى عهد كل من الرئيسين الأمريكيين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش قوله، إن مصر نجحت فى إيقاف الحملة التى قام بها أوباما لزعزعة الاستقرار فى البلاد خلال عام 2013، لافتا إلى أن وزير الدفاع- آنذاك- عبدالفتاح السيسى، رئيس جهاز المخابرات السابق، تمكن من كشف المؤامرة الأمريكية لدعم الإخوان الذين وصلوا إلى سدة الحكم وسط اضطرابات لم يسبق لها مثيل، وهو الأمر الذى أدى للإطاحة بنظام الإخوان. وأضاف أنه إذا لم يتم الإطاحة بـ"مرسى" لكانت مصر قد تحولت إلى سوريا أخرى وتم تدمير الجيش المصرى بالكامل، فى إشارة منه إلى أن ثورة 30 يونيو قد أوقفت هذه المؤامرة وحافظت على مصر وجيشها من الدمار.
طبيعى ألا يفصح شيلتون عن مصادر معلوماته، غير أنه أكد أن الحلفاء العرب قد ابتعدوا عن واشنطن وشكلوا تحالفا بين مصر والسعودية والإمارات ضد الإخوان، وأكد أن السيسى قد وضع نهاية لمشروع الشرق الأوسط الجديد. كما كشف شيلتون أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية قادت حملة ضد البحرين، التى أرهقتها "الأعمال الإرهابية، وأن أمريكا ظنت أن البحرين ستكون لقمة سائغة ومن شأنها أن تكون بمثابة المفتاح الذى يؤدى إلى انهيار نظام مجلس التعاون الخليجى بما يسمح لشركات النفط العملاقة السيطرة على النفط فى الخليج". وأضاف العسكرى الأمريكى السابق، أن الملك حمد بن عيسى آل خليفة أحبط المؤامرة فى عام 2011، موضحا أن الملك حمد وافق على قرار مجلس التعاون الخليجى الذى صدر برعاية المملكة العربية السعودية بإرسال آلاف من الجنود إلى البحرين للمساعدة فى قمع التمرد، المدعوم من إيران.
معلومات التورط الأمريكى فى نكبات وأزمات المنطقة تزكم الأنوف، وهى من كثرتها تتطلب كتب ومراجع لتدوينها، وهى قديمة وليست حديثة العهد، فلا نكاد نحن العرب نتجاوز أزمة سياسية أو غيرها، حتى تلاحقنا الولايات المتحدة بأخرى. ولكن فى نهاية الأمر وإذا عدنا للموقف الأمريكى من ثورة 30 يونيو المصرية التى تهل علينا ذكراها السنوية بعد أيام، نرى أن واشنطن وقفت ضدها إرادة المصريين بشدة وحاولت بكل قدراتها تعطيل مسيرتهم فى استعادة دولتهم من حكم "الإخوان" الذين تحالفوا مع الشيطان، مثل كان يريد البعض هنا فى البحرين الذين يدينون بالولاء للمرشد الأعلى فى إيران.. وللتذكير فقط، فما فعله الأمريكيون مع الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وسعيهم الدؤوب للنيل منه ولتثبيط عزيمته، فقد كرروه مع عبدالفتاح السيسى، لكنهم فشلوا، كما فشلوا هنا فى البحرين فى احباط عزيمتنا والنيل منها فى مواجهة الخارجين عن القانون.