السوق العربية المشتركة | صفات منجيات للمسلم..الرضا والأمانة

السوق العربية المشتركة

الأحد 8 يونيو 2025 - 10:10
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
صفات منجيات للمسلم..الرضا والأمانة

صفات منجيات للمسلم..الرضا والأمانة


بمناسبة شهر رمضان المبارك، لعلي أوفي اليوم بوعدي لأصدقائي بأن اكتب عن صفات المؤمن إذا إراد أن يكون  له بصمة جميلة في حياته وتكون جائزته في آخرته، وهذه البصمة اليوم هي ضرورة أن يتمسك المسلم بصفتي الأمانة والرضا، فهما خير له ولأسرته وللمجتمع ككل، وفيهما نفعا لو علمنا لبدأنا الآن في هذه اللحظة في العمل بهما ولأن يكونا نبراسا لنا في معاملاتنا وسلوكياتنا الحياتية.



ربما لا نبالغ إذا قلنا أن المجتمع ينجح كمجتمع لو عمت فيه الأمانة، فحياة المسلم تستقيم إذا كان أمينا مع ربه ونفسه وعمله وأسرته، ومن هنا نقول أن انتشار الأمانة بين الناس من شأنها  تقدم الأمم، فمثلا من يرعي حقوق غيره، جاره، صديقه، زميله، قريبه،  لساد العدل وعم الرخاء بيننا وتلاشت خلافاتنا. لا نقول إننا سنعيش كملائكة فنحن بشر في النهاية، ولكن ما نتمناه أن نطبق ما نستطيع تطبيقه حتي ننال الرضى من رب العباد من لحل أغلب مشاكل المجتمعات الحالية إن لم يكن كلها.

والأمانة ليست مجرد كلمة أو صفة يجب أن يتمسك بها المسلم، فهي تمثل  أهمية كبيرة في حياته، وقد حثنا الإسلام على التحلي بخلق الأمانة ، وأحاديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم التي تحثنا جميعها عن صحيح الأخلاق،  تركز أيضا علي الأمانة وتنفي عن المسلم صفة الخيانة والكذب، ولنتذكر جميعا أن رسولنا الكريم  صلي صلى الله عليه وسلم كان الصادق الأمين، ليس لقبا وصفة فقط، وإنما حقيقة سلم بها حتي كفار قريش، فمن أشهر قصص الأمانة ما فعله النبي صلي الله عليه وسلم قبل هجرته الي المدينة، حين طلب من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يبقى في فراشه كي يرد الأمانات لأصحابها ثم يلحق به. فأمانة الحقوق والودائع ترتبط بتعامل المسلم مع غيره حتى ولو كان يدين بدين آخر غير الإسلام، فقد أوجب ديننا الحنيف على كل مسلم موحد بأداء الأمانات وحفظ الوعود والحقوق لأصحابها دون أن ينقص منها ذرة واحدة.

والأمانة صفة يجب علينا جميعا إتباعها والتحلي بها في كافة مواقفنا وتصرفاتنا الحياتية مهما بلغت بساطتها، فبدونها لا تستقيم الأمة ويفسد المجتمع، لذلك كان لها مكانة وشأن عظيم في ديننا الحنيف سواء في القرآن أو السنة النبوية. لا نقول هذا بمناسبة الشهر الكريم فقط ، فأخلاقياته لا تختلف  عن أخلاقيات بقية العام، ولكنها مجرد تذكرة ، وعلينا أيضا تذكر أن الشخص الأمين هو إنسان لا يتعدى على حقوق غيره ليس خشية قانون ولكن مخافة الله سبحانه وتعالى، فالأمانة هي كل حق للغير يتوجب عليك أداؤه، كما أنها تعني التعفف عن استلاب حقوق الغير بهدف ابتغاء مرضات الله، والتعفف عن إفشاء أسرار الآخرين. فالأمانة إذن هي أن نحفظ العهود ونؤدي حقوق الغير ، والحفاظ على عهودنا مع الخالق عز وجل، بحيث نؤدي العبادات على أكمل وجه، ونعف أنفسنا عن كل محرم.. ومن هنا نقول إن الأمانة مسؤولية عظيمة فرضها الله علينا جميعا، وهي مسؤولية  أشفقت منها باقي المخلوقات.. وقد ذكر الله تعالى ذلك في سورة الأحزاب حين قال " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ".

ومن الأمانات أيضان أمانة العبادة والحواس والجوارح ، فغض البصر أمانة وحفظ اللسان أمانة والامتناع عن الشهوات المحرمة أمانة.. ومن أنواع الأمانة الملموسة، أمانة العمل، فلا يجوز للمسلم أُن يستغل منصبه كي يلحق الأذى بغيره أو يأخذ لنفسه ما ليس من حقه. هذا إذا كان عاملا او رئيسا، أما الطالب مثلا فعليه أمانة الاجتهاد. والقول أمانة ، تطبيقا لما قيل سابقا عن الكلمة فهي ربما تكون قاتلة  كالسيف،  فقد قال صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" . كما قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".

ربما يضيق المقام بذكر كل أنواع الأمانة وأمثلة عليها، لكنها أيضا أمانة الكتابة، فمن أهم أنواع الأمانة، أمانة  الرعية والمحافظة على مصالحها وأمانة التجارة، وربما نشدد علي أهميتها هنا، ففيها منفعة لكل المجتمعات المسلمة..وعموما فإن الأمانة منجاة من التهلكة، فهي تزيد الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع، وتقوي المحبة والأخوة والتعاون بينهم، والإنسان الأمين يتقرب منه الأخرون ويحترمونه ويثقون به، والأمانة خلق جميل ومن أعظم الصفات التي يتصف بها الصالحون قبل أن تكون طاعة لله وتنفيذ لتعاليم ووصايا رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي حذرنا من غياب الأمانة فنصبح من المناقين :"آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان".. والخيانة تعني غضب ربنا عن العباد والعياذ بالله.

ومن الأمانة لصفة أخري جميلة يجب أن تتوفر في كل مسلم حق، وهي الرضا، خصوصا وأن رسولنا الكريم  كان راض بحكم وقضاء ربه فوق ما يصفه الواصفون ، فهو راض في الغنى والفقر ، راض في السلم والحرب ، راض وقت القوة والضعف ، راض وقت الصحة والسقم ، راض في الشدة والرخاء . وقد عاش مرارة  وأسي اليتم ولوعته فكان راضيا . وافتقر صلى الله عليه وسلم حتى ما يجد تمرة ، وكان يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، ويقترض شعيرا من يهودي ويرهن درعه عنده ، وينام على

لحصير فيؤثر في جنبه ، وتمر ثلاثة أيام لا يجد شيئا يأكله ، ومع ذلك كان راضيا بما قدره الله سبحانه ، رضي رسولنا الكريم بقضاء الله وقدره في الفترة الحرجة ، يوم مات عمه وزوجته خديجة ، وأوذي اشد الأذى، وخدشت كرامته، ورمى في صدقه، فقيل له : كذاب وساحر، وكاهن ومجنون..ورضي رسولنا الكريم  يوم طرد من بلده ومسقط رأسه، ويطارده الكفار وهو يسير الي المدينة بالخيل وتوضع العراقيل في طريقه أينما ذهب  فيلتفت الى مكة وتسيل دموعه ويقول: "إنك أحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت" ..ورضي رسولنا الكريم  عن ما قدره الله وهو يذهب الي الطائف ليعرض دعوته فيواجه بأقبح رد وأسوأ استقبال ويرمى بالحجارة حتى تسيل قدماه فيرضي عن مولاه. .ويرضي رسولنا الكريم  عن ربه في كل موطن وفي كل مكان وفي كل زمان ، ويحضر غزوة أحد فيشج رأسه وتكسر ثنيته ويقتل عمه ويذبح أصحابه ويغلب جيشه فيقـــــول :"صفوا ورائى لأثني على ربي"..وكان جزاء كل  هذا الرضا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قول الله تعالي:" ولسوف يعطيك ربك فترضى".

وكما ذكرنا في صفة الأمانة، فإن المقام يضيق أيضا بأن نتحدث بإسهاب عن الرضا، ولكن قد نضيف بعض أقوال الصالحين ومنها "من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها في عقالها".."فمن رضا فله الرضا، ومن سخط فله السخط".."مقام الشكر جامع لجميع مقامات الإيمان وهو أرفعها وأعلاها".."الإيمان نصفين، نصف صبر ونصف شكر". وتقودنا الجملة الأخيرة لحكاية الطفل الذي كان يعيش مع أمه الأرملة الفقيرة في غرفة صغيرة من أربعة جدران خشبية بلا سقف فوق سطح أحد المنازل ، وكانت حياتهما صعبة و متواضعة وسط ظروف حالكة السواد، إلا أن الأم وطفلها تميزا  بنعمة الرضا و القناعة بما قسم الله لهما . وفي يوم غزير المطر لم تشهد المدينة مثله، لم يكن للأم الأرملة وطفلها سوي الاحتماء في غرفتهما الخشبية غير المسقوفة، فاشتد المطر عليهما ولم تجد الأم سوي خلع باب الغرفة ووضعه كسقف مؤقت علي جزء منها لكي يقيهما غزارة المطر والبرد، وعندما احتمي في حضنها وثيابهما غارقة في البلل ، نظر اليها وهي تحجب عنه سيل المطر المنهمر وقال لها في سعادة بالغة تنم عن رضا وقناعة بما يعانيناه من برد ومطر :"ماذا  يا ترى يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب حين ينهمر عليهم المطر؟"..لقد شعر الطفل بسعادة غامرة بفكرة الباب الذي أصبح سقفا فأحس بثرائه وغناه، فكان الرضا مصدر سعادته.

** كلمة أخيرة..**

قناعات البحرين في القضايا العربية

نشعر جميعا بالفخر نحن أبناء شعب البحرين عندما نري جهود بلدنا تثمر أمامنا، ولنا درس في كلمة معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية، لدي ترأسه اجتماع مجلس جامعة الدول العربية بالقاهرة السبت المنصرم، فقد وضع الشيخ خالد سبل حل أزمات المنطقة المتسارعة، عندما أوضح أن خطورة تلك الأزمات  تفرض ضرورة البحث والتشاور في كيفية اتخاذ خطوات ضرورية وعاجلة ووضع آليات عملية وفاعلة للتعامل مع التحديات التي تواجهنا نحن العرب ، خاصة وأنها تلك الأزمة ستؤثر حتما على مستقبل شعوب المنطقة.

لقد حدد الشيخ خالد نقاط مهمة لتجاوز تلك الأزمات، تبدأ بالعمل الدؤوب والإعداد السليم ومناقشة تلك القضايا لضمان زيادة تلاحمنا ووحدتنا وصلابة مواقفنا..ووضع حد للتدخلات الأجنبية في شؤوننا وكذلك اجهاض مساع كل من يريد إثارة الفرقة والفوضى في المنطقة..وضرورة التوصل الي  نتائج تعزز المصالح العربية وترتقي بآليات ومسيرة العمل العربي المشترك.

ولم تفتقد الكلمة للأمل، خاصة لدي تطرق وزير خارجيتنا لما تمر به القضية الفلسطينية من مرحلة بالغة الصعوبة، بل تأكيد ضروة عدم فقدان الأمل في إحلال السلام الشامل والعادل الذي يعيد الحقوق لأصحابها ويكفل الأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة..وهنا حددت كلمة البحرين إطار مسار السلام، ويعني عودة الحقوق لأصحابها "لتستقر الأوطان وتنعم الشعوب بالتنمية والرخاء"..مسار السلام هنا يتطلب كما شدد الشيخ خالد علي الالتزام بمبادرة السلام العربية، حيث  توفر فرصة تاريخية لإنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي، وتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتوفر لإسرائيل الأمن والعيش بسلام مع الدول العربية والإسلامية كافة.

وكما حددت الكلمة مسار عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، كان لها رؤية واضحة أيضا في الأزمة اليمنية، حيث شدد الشيخ خالد علي أهمية استغلال فرصة وقف الأعمال القتالية واستثمارها عبر السعي بكل قوة لإنجاح المحادثات الجارية برعاية الأمم المتحدة في دولة الكويت الشقيقة، لكي نصل الى تحقيق ما يصبو اليه الشعب اليمني من استقرار وتنمية وازدهار.

وطبيعي ألا تخرج ليبيا عن محددات السياسة الخارجية للبحرين، فكان التركيز علي توحيد مواقف الأطراف الليبية لضمان وحدة بلادهم  واستقرارها، كما شددت الكلمة علي أن هذا الأمر لن يتوفر سوي بتقديم كامل الدعم للعملية السياسية وللمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة دولة الرئيس فايز السراج، لتتمكن من أداء مهامها والنهوض بدورها في تحديد مسؤوليات كافة الأطراف في المستقبل، ولتكون قادرة على مواجهة مختلف التحديات وفي مقدمتها التطرف والعنف والإرهاب وترسيخ مؤسسات الدولة ووحدتها.