
احمد المرشد
فجرى.. والنيل لحظات حب تدوم وتدوم
كلما أتيت إلى مصر الحبيبة وعشت فى أجواء القاهرة الساحرة، أشعر كأننى أحط الرحال فى أرضى، فى وطنى، فالوطن ما هو سوى مكان نقيم فيه وزمان نحياه، ففى قاهرتى أنسى السياسة وهمومها وأحاول أن أعيش أجواء اللمسات الفنية فى أجوائها وتحديدا بالقرب من نيلها الساحر الذى ألهم كتابها وشعراءها بكلماتهم الخالدة، وهناك فى أرضى، فى قاهرتى، استشعر كذلك غيض من فيض أحاسيسهم لأحاكى مشاعر تشتاق لعذب الكلام بعيدا عن دوامة السياسة.. وفى نيلها الساحر وصفحته المشرقة وفجرها الأكثر سحرا وجمالا الذى ينافس جمال النيل ورقته، تلتئم روحى مع نفسى وهواى لنستنشق معا نسيم هذا الفجر، الذى لا يضاهيه فجر آخر، فجر هو أمل حياتى الذى تحيا بنوره عيناى.. أنها حقا "أمل حياتى" معانى وكلمات تلك الأغنية الرائعة للسيدة أم كلثوم: "أمل حياتى يا حب غالى ما ينتهيش.. يا أحلى غنوة سمعها قلبى ولا تتنسيش.. خد عمرى كله بس النهارده خلينى أعيش.. خلينى جنبك خلينى فـ حضن قلبك خلينى.. وسبنى أحلم سبنى يا ريت زمانى ميصحنيش".
هذا النيل، وهذا الفجر الغالى، مثل الحبيب والضنا، هو روح الفؤاد ومحياه، هو عينى التى أرى بها الدنيا جميلة، ولعلى استعيد كلمات أغنية أم كلثوم أيضا "إنت عمرى" خاصة المقطع: "هات أيديك ترتاح بلمستهم أيديا.. هات عينيك تسرح فى دنيتهم عينيا".. هذا الفجر الذى أتخيله إنسانا كأغلى إنسان، فى يوم مولده، فماذا عساى أهديه؟ وهل الفجر فى حاجة إلى هدايا من بشر، وأى بشر هذا الذى يعشقه الفجر أو يلين قلبه له! ويحى من هذا التفكير والخيال.. السؤال يلح على تفكيرى ويستحوذ على عقلى، وإن كان الفؤاد حقا مشغول بنفس الفكرة: ماذا عساى أقدم للفجر لحظة بزوغه وإشراقاته، فبريقه يملأ الدنيا نورا وضياء.. احترت ماذا أهدى إليك فجرى من مشاعر الحب لحظة الشروق، تلك اللحظات التى ينتطرها كل أحياء الأرض وهذا الكون. فإليك فجرى أهديك مشاعرى الفياضة لحظة شروقك، فى بداية يوم حب جميل.. يوم نسير فيه جنبا إلى جنب، حبيبان فى مركب العشق، لتتقاذفنا الأمواج، تتقاذفنا من ميناء إلى ميناء، ونحن نستمتع بهذا الحب الأسطورى، حب نبنى بشطآنه الآمال، وتزداد معه الأمنيات.. ففى فجرى ومع فجرى سنترك فى كل ميناء ذكرى، ذكرى كلمة حب، كلمة أمل، أمل حياتى.
وفى عودة لأمل حياتى الأغنية والكلمات أرددها على مسامعك فى يوم مولد فجرى: "أملى حياتى يا أغلى منى يا أغلى منى عليا.. يا حبيب امبارح وحبيب دلوقتى وحبيبى لبكرة ولآخر وقتى.. إحكيلى قولى إيه م الآمانى ناقصنى تانى وأنا بين إيديك.. عمرى ما دقت حنان فى حياتى زى حنانك.. ولا حبيت يا حبيبى حياتى إلا عشانك.. وقابلت أمانى.. وقابلت الدنيا.. وقابلت الحب.. أول ما قابلتك وإديتك قلبى يا حياة القلب.. أكتر م الفرح ده محلمش.. أكتر م اللى أنا فيه ما أطلبش.. بعد هنايا معاك يا حبيبى لو راح عمرى أنا مندمش".
حقا إنها لحظة أمل أو حياة أمل أو أمل حياتى فى لحظة بزوغ فجرى، فى نهرى، فى وطنى، فى عشقى، فى روحى، استعيد لحظات حب، هيام، غرام، حتى العتاب أتذكره فهو مثل الأمواج ولكنها أمواجا تعيدنا إلى شاطئنا، إلى مرسانا، إلى لحظات حبنا وهيامنا وغرامنا.. أقول حتى العتاب أتذكره، فهو مثل الجدران التى تزيد حبنا حبا وتجعله كصخور البحر الثابتة، كالرواسى تتحطم عليها الأمواج، بل تتكسر، فقد سار مركب عشقنا يتهادى بكل ثقة للوصول إلى ميناء أمن يحتمى فيه، فكان هذا الميناء هو الثقة التى بنيت عليها أواصر هذا الحب لفجرى. هذا الفجر الذى استيقظ فيه على ابتسامة حبيبى كما تتخيل أغنية "أمل حياتى" ففيها الابتسامة والحب والشوق والحنان: "وكفاية أصحا على ابتسامتك بتقول ل عينى أسمعها غنوة بتقول لحبى مينتهيش.. خلينى جنبك خلينى ف حضن قلبك خلينى وسبنى أحلم سبنى يا ريت زمانى ميصحنيش.. ياللى حبك خلا كل الدنيا حب.. يا اللى قربك صحا عمر وصحا قلب.. وأنت معايا يصعب عليا رمشة عنيا ولا حتى ثانية.. يصعب عليا ليغيب جمالك ويغيب دلالك ولو شوية.. أد كده مشتاق إليك أد كده ملهوف عليك.. نفسى أندهلك بكلمة متقلتش لحد تانى.. كلمة أد هواك ده كله أد أشواقى وحنانى.. كلمة زيك واللى زيك فين ده انت زيك متخلقش اتنين".
إنه فجر الحب العظيم الذى نعيش فيه لحظات سعادة، حتى وأنا أشعر بالغيرة على هذا الفجر من كثرة عشاقه، وأنا أشعر بأننى وحدى فى هذا الكون الذى يبثه أشواقه وحنينه، وكم أتخيل الفجر إنسانا، لأشعر بالغيرة من أمه، من أبيه، فحبى له يجعلنى كالطفل الوليد الذى يبكى لحظة قطع الحبل السرى عن أمه الذى منحه الحياة، لكم أغار على فجرى وأتمنى أو أنشد أن يأتى مسرعا لأرتمى فى أحضانه لاستشعر دفء مشاعره، فصدره وحضنه هو مرفأ الأمان الذى أعيش فيه الأمن والأمنيات.. تماما كما تحكى "أمل حياتى": "وكفاية أصحا على ابتسامتك بتقول ل عينى أسمعها غنوة.. بتقول لحبى مينتهيش.. خلينى جنبك خلينى ف حضن قلبك خلينى وسبنى أحلم سبنى يا ريت زمانى ميصحنيش.. يا حبيبى مهما طال عمرى معاك برضه أيامه قليلة.. السعادة والحنان ف هواك ميقضهاش أجيال طويلة.. حبك يا حبيبى ملا قلبى وفكرى.. ينور ليلى ويطول عمرى.. بيزيد فى غلاوته دايما بيزيد.. وتملى جديد فى حلاوته تملى جديد.. إنت خلتنى أعيش الحب وياك ألف حب.. كل نظرة إليك بحبك من جديد وأفضل أحبك.. ده أنا حبيت بعينيك السود كل الدنيا.. حتى عوازلى أو حسادى.. كل الناس فاهمين فى عينيه حلوين.. طول ما عينيا شايفة الدنيا وإنت قصادى".
فى لحظة بزوغ فجرى، تمر حياتى سعيدة ومركب عشقنا تتهدل شراعه يتهادى فى عباب البحر لتتقاذفه الأمواج، وسيظل يبحر ويبحر ليصل بنا إلى بر الأمان، طال الزمان أم قصر، سيظل الفجر أمنية حبنا وعشقنا حتى: "أنام وأصحا على شفايفك.. بتقول لعينى اسمعها غنوة بتقول لحبى مينتهيش.. خلينى جنبك خلينى ف حضن قلبك خلينى.. وسبنى أحلم سبنى يا ريت زمانى ميصحنيش".
نعم، أريد حضن قلبك لأحلم وأحلم لأعبر عن مشاعرى وأحاسيسى، التى سأظل مقصرا فى حقك ولن أوفيك حبك رغم أنى عشقتك وأحببتك ونلت هوى قلبك من دون الآخرين، لأحظى بقلب وحب وغيرة هذا الفجر الذى لا توفيه كلمات فى لحظة بزوغه، فلا صفحات أو مداد الأقلام تستطيع أن تعطيه حقه مما منحنا من حب وسعادة، ففكرة ذكرى يوم مولد الفجر التى تأتينا مع إشراقة كل شمس، لا يسعنى سوى أن انطلق كطفل يمرح ويجرى فى الوديان المزهرة ليعلن للجميع بأنه يعيش أحلى لحظات حياته سعادة وبهجة بسبب روح فؤاده ومهجته.
إنه فجرى لحظة بزوغه لينثر ضياءه علينا، لينثر حبه على قلوبنا ونحن ننتظر لقاءه بحب وأشواق، حب يتجدد ويظل على العهد والوعد، حب لا حب بعده، فهو مسك الختام.. وأشواق لحلم يتجدد بخيالات مرهفة لا أرى فيها سوى نورك ووجهك الملائكى.
أعود إلى نيلى وفجره، فهو يستحق كل هذا العشق الجميل وكأنه مركب فى بحر لجى يتهادى على أمواج الأمل مستندا على حبنا وعشقنا فى قصة يتحاكى بها الزمان، لتظل الحياة ممتدة ذاكرة جمل العشق والهيام، ومهما رأت العين من جمال تظل متلهفة للعنوان، عنوان "عش الحب" على النيل الذى لا يعرفه سوانا، فهو هوانا ومرفأنا وهدانا، عنواننا الذى نقصده لنستلهم منه الدفء والحنان.. عنواننا الذى أهرب منه لكى، وأسهر معه لا أفكر سوى فيك، فيه أجرى عليك ولكى، فهناك أغنى وأحكى بحنين عن حبى، أبعد عنك تبكى لاقترب منك ثانية، أسير تسيرى معى، إنه قلبى الذى يهواكى، فأنا يا فجرى أحبك، أقرب منك بشوق قلبى، بسنين عمرى أحبك، أفديك بقلبى وكيانى، من ليل طويل انتظر نهايته لتأتى بحبك وأشواقك لأتقرب منك.