السوق العربية المشتركة | أسباب وجودنا فى هذه الحياة

السوق العربية المشتركة

الأحد 8 يونيو 2025 - 11:49
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
  أسباب وجودنا فى هذه الحياة

أسباب وجودنا فى هذه الحياة


من أكثر ما يؤلم الكاتب أن يختار فكرة موضوعه القادم، وربما يتوارد على ذهنه أفكار كثيرة فى بعض المرات، فى حين تشح الأفكار أحيانا، وبين هذا وذاك، تأتينا الفكرة من صديق، ولعلى أعترف هنا، بأن تجربة الكتابة ليست حكرا علينا نحن معشر مهنة الإعلام والكتابة، فثمة آخرون يعيشون معنا وبين ظهرانينا كثيرا ما يمدوننا بالأفكار، وعندما تكون الفكرة غير واضحة أحيانا، يسهب أصدقاؤنا فى شرح أبعادها لنا لتكون عناصر نقوم نحن بصياغتها فى قالب مقروء.. أتمنى أن أكون نجحت فى تفسير ما أعنيه الآن، فما سأتحدث عنه حقيقة هو نتاج حوار مع صديق وآلمنى بما سأكتبه، لأنه وضعنى فى اختبار، هل سأنجح فى تحقيق مراده؟ وعموما أنتظر رده اليوم وإن كنت لا أحبذ تجربة الاختبارات أو انتظار النتائج، وما ذلك اعترف فرأيه يهمنى.

لقد أعجتنى الفكرة وسيطرت على ذهنى ربما لأهميتها، وربما لجديتها- من الجديد- وربما لأننا لو تمسكنا بمضمونها جميعا لبلغنا العلى وكنا من أوائل الدول تقدما وتحضرا. وإذا كان لكل فكرة هدفا، فما سنتحدث عنه هو متى يكتشف الإنسان هدفه فى الحياة وما الذى يجب أن يتمسك به فى حياته من بصمات حتى يكون شخصا نافعا، ولتكون تلك البصمات التى كتبت باسمه مثل بصمات أصابعه لكنها فى هذه الحالة يا حبذا لو تنامت وكثرت وانتشرت ولا تعد حكرا على صاحبها، فنريد تنامى هذه البصمات لتكون سمة مجتمع، ووطن، وبلد، وإقليم، وأمة عربية وإسلامية. وكان أول من تحدث عن بصمات الحياة هو الكاتب الأمريكى مارك توين المعروف باسم "أبو الكتاب الأمريكيين" وأترك للقراء مهمة البحث عنه فى جوجل، فحياته تستحق أن تعرف، لكننا هنا نكتفى بما رآه هذه المبدع حيث اجتهد كثيرا فى الكتابة عن الإنسان وهدفه فى الحياة وضرورة تجديد أهدافه فى هذه الحياة، ثم ماذا عليه أن يقدم لنفسه ومجتمعه. وكان لمارك توين مقولة شهيرة وهى: "إن أهم يومين فى حياتك هما: يوم مولدك ويوم أن تكتشف سبب ولادتك"، بمعنى ما هو هدفك فى الحياة أو هدف وجودك فيها.

كان من أهم قناعات مارك توين أن يعيد صنع العالم على ورقة، ولهذا اهتم بعالم الكتابة وعمل بالصحافة وبرع فى فن القصص، حيث تملكت منه فكرة أن الأديب سيد حياته، ومن لديه الكثير من القصص ليحكيها امتلك هذا الكون ومن حقه صنع هذا العالم على ورقة. واعتقد أن ما تحدث عنه مارك توين حقيقى، فمؤلف القصص يحرك شخوصه وأحداثهم ويتحكم فى أقدارهم، ويضع لهم نهاياتهم، فالكتابة لديه هى فن خلق واقع أكثر ملاءمة لنا وتغيير الأحداث والتطورات وتبديلها.

قرأت طويلا عن مارك توين لكى أفهمه واستوعب آراءه، ومنها على سبيل المثال: "الحياة قصيرة، اكسر القوانين، سامح بسرعة، أحب بصدق، اضحك بلا قيود، ولا تندم على شىء جعلك تبتسم فى يوم ما". ومن أعماله الجيدة أن أقام ما يسمى "حفلات القراءة الجماعية" فكان الناس يشترون التذاكر لحضورها ويجلسون فى مسرح كبير ليصغوا إلى توين وهو يتلو عليهم ما كتبه من قصص، وهو ذكرنى هنا بقصة "راوية الأفلام" وتسرد قصة فتاة صغيرة كانت ترسلها أسرتها إلى سينما المدينة المجاورة لقريتهم بالمكسيك لكى تشاهد الأفلام المعروضة ثم تعود لتقصها على سكان قريتها مع تمثيل بعض مشاهدها وكأنها على المسرح، وكان لهذه الفتاة الفضل فى إنقاذ أسرتها من الفقر بسبب موهبة سرد الأفلام بدقة شديدة وشد انتباه جمهورها رقيق الحال.

استكمالا لبصمة الحياة، أو للجزء الثانى من مقولة مارك توين "ويوم أن تكتشف سبب ولادتك".. ففى اعتقادى أنه من الأفضل أن نضع نحن بأنفسنا بصمات لحياتنا من ديننا الحنيف، بصمات لنا وللأقربين منا، لأسرنا، لأصدقائنا، ولعلنا نبدأ بالابتسامة وهى أسهل ما يكون، فحقا الابتسامة الصادقة الصادرة من القلب تصل للقلوب مباشرة، وأجملها وأعذبها الابتسامة الدائمة، لأننا سنصف صاحبها بـ"صاحب الابتسامة الدائمة"، فهى لا تفارقه وتكون إحدى سمات شخصيته. وديننا أيضا يحثنا على ضرورة الإحساس بمعاناة الآخرين وأحزانهم، وأن نجتهد بمسح هذه المعاناة عن قلوبهم بكلمة طيبة على الأقل، فمعروف أن للكلمة الطيبة أثرها الطيب فى نفوس الآخرين، فالكلمة الطيبة أيضا من بصمات حياتنا وهى صفة تلاصقنا مدى الحياة.

ولن نذهب بعيدا إذا تحدثنا عن بصمة رائعة فى حياة كل مسلم بل وكل إنسان على وجه الأرض، وهى فضيلة حثت عليها كل الأديان، وهى الصدقة، التى قد تسد جوع فقير سواء طفلا أو كهلا غير قادر على العمل، ويكفينا الابتسامة التى تعلو وجه هذا الطفل أو غيره. ففك الكرب عن مكروب مهموم بالصدقة، يبدل حياته من نقيض لنقيض، من حزن إلى سعادة، ناهيك عن رفع معنوياته وإعادة دمجه فى المجتمع لما شعر به من تعاطف من الذين حوله. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: "داووا مرضاكم بالصدقة"، فكم من مريض كانت الصدقة سببا بأمر الله فى شفائه، وكم من مبتلى عافاه الله، وكثيرون كانت الصدقة سببا فى نماء مالهم أو سببا فى حفظهم من الشرور بل وفى البركة فى أهلهم وأولادهم.

ولنا أيضا أن نبصم حياتنا بالعمل المثابر حتى يكون ذلك العمل مخلصا لله عز وجل، وحبذا لو كللنا هذا بالصدق فى حياتنا، وتصرفاتنا وسلوكياتنا، فكل هذه الصفات أو لنصفها بـ"بصمات الحياة" ستشيع فينا الأمل والتفاؤل، ولن يغيب عنا هذا الشعور الصادق المحبب إلى كل نفس بشرية، فكم من نفس عاشت سعيدة بتفاؤلها، وكم من إنسان تعرض لأزمات تلو الأخرى بسبب يأسه أو شعور المزمن بالإحباط، فلنجعل فى حياتنا بصمة الأمل والتفاؤل، وربما يقودنا هذا إلى الإبداع فى عملنا وحياتنا كلها، فأيا كانت مهنتنا ووظيفتا فبالأمل والتفاؤل سنبدع فى عملنا ومنتجنا على مستويين، الأول لنا شخصيا، والثانى للذين يتعاملون معنا، فالسلعة المتقنة التى أخرجناها ستعجب مستعملها ومستهلكها ما يجعله يرتبط بنا ولا يفرط فى إنتاجنا.

ومن بصمات الحياة أيضا التى أراها ضرورية على مر السنين، أن تتصف حياتنا بالصراحة والابتعاد عن المبالغة فى الحديث، كما أن للأمانة دورها فى رفعة المجتمع وتقدمه، ونحن فى حل من التذكير بما قاله الآخرون إنهم رأوا مسلمين فى أوروبا بلا إسلام بعكس ما نراه فى بلداننا من إسلام بلا مسلمين، وهى مقولة بالمناسبة ارتبطت باسم الشيخ محمد عبده أحد العلامات المضيئة فى تحديث الفكر الإسلامى بمصر. وبمناسبة ذكرنا الأمانة، فعكسها طبعا وهو الخيانة من الكبائر فى الدين، ومن خاننا ليس منا، وهنا يستلزم على الجميع التمسك بميزة الإخلاص قولا وعملا والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والبعد عنه فى كل أفعاله وتصرفاته.

ولا يفوتنا أن تكون من بصماتنا فى حياتنا وغيرنا أيضا البعد كل البعد عن الحقد والحسد، ليس تجنبا فقط لأن نكون من بين أشر خلق الله وأخبثهم، ولكن الحاقد والحاسد لن تطأ قدماه الجنة لعدم إيمانه بما قسمه الله لنا ولغيرنا، فمن يطلب زوال النعمة من غيره لا يستحق الحياة وكذلك يحرم الجنة.

وثمة بصمة سهلة للغاية ولن ترهقنا بل ستضاف لحسناتنا، ونتذكر هنا معا الحديث النبوى: (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). فقد أراد رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- أن يعطى تصورا مجملا عن الإيمان، وأنه متعدد الأركان والشرائع، فكان التوحيد أعلى مراتبه، وأدناها ما لا يقيم له الناس وزنا من الأعمال الصالحة كإماطة الأذى عن الطريق، فيما جاء ذكر "الحياء" للدلالة على ما بينهما من أعمال صالحة يصدق على جميعها مسمى الإيمان، وهذا أيضا من بصمات الإنسان، والتى يجب أن يتحلى بها، وهو خلق يحجب الإنسان عن فعل الرذائل وارتكاب القبائح. فهل لنا فى بصمة أسهل من هذا، فما أسهل وأيسر هذا حتى على أصغر طفل، وهو ما يجب أن نعلمه لأطفالنا، فهذا الفعل الطيب من بصمات الحياة.

وأخيرا، لنعد إلى بدايتنا، فالبصمة الطيبة مثل الجوهرة تزيد قيمتها مع الزمن حتى إن علاها الغبار، فما علينا هنا سوى إزالة هذا الغبار لنمتع أعيننا بأصل الجوهرة، فهكذا هى بصماتنا، لا تزول، وتدوم، وتظل ملازمة لنا فى حياتنا وحتى تحيا بها ذكرانا. ولنتذكر أن الدين المعاملة، وبالتالى نحقق أهدافنا، أو الجزء الثانى من مقولة مارك توين "إن أهم يومين فى حياتك هما: يوم مولدك.. ويوم أن تكتشف سبب ولادتك"، هذا بعكس شاعر المهجر اللبنانى إيليا أبو ماضى الذى ظل حائرا وليس داريا لماذا جاء للدنيا وماذا سيجنى منها! والأهم من كل هذا أنه بإمكاننا صنع عالمنا الجميل.. نعم نستطيع.

قبل الأخير

استاذى الكبير محمد العيد صاحب كتاب "غيض من فيض الأيام"

أهدانى استاذى الكبير محمد العيد صاحب كتاب "غيض من فيض الأيام"، ولكم يشرفنى هذا الإهداء، فهو معلمى الذى تتلمذنا على يديه، وهو مرشدى وقائد مصنع الأبطال الذى ربى فينا الانتماء لهذا الوطن، ونتذكر كم مرة قال لنا: منكم من سيتخرج ضابطا ومعلما وطبيبا ومهندسا، والأهم من الاختصاص هو الإخلاص فى العمل، فأخلصنا.. فعطاؤكم كان دافعا لنا لتحقيق الأفضل.

تذكرت وأنا أقلب كتاب السيرة العظيم، كم كانت لتربيتكم لنا أثرها البالغ فى النفس والذكريات، وكان عطاؤكم العظيم وتواضعكم وإخلاصكم نبراسا لنا فى حياتنا العملية، فكنتم ركيزتنا بما رسمتموه لنا من معالم الحياة، ويكفى ما أورثتموه لنا من مزية حب الوطن.

استاذى ومعلمى الفاضل صاحب "غيض من فيض الأيام".. مهما كتبنا وتحدثنا لن نوفيك حقك حتى لو كررنا كلمات أمير الشعراء أحمد شوقى، فكلماته وأبياته لا تفى بما تعلمناه من استاذنا الكبير:

قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذى يبنى وينشئُ أنفـساً وعقولا

سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـلّمٍ علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى

أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلماته وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا

فلك استاذى محمد العيد.. يا من بذلت الغالى والنفيس لتأسيس عقولنا وتشكيل وعينا وإرساء القيم الحسنة، يا من تعلمنا منكم الأخلاق ودروس الحياة ومعنى العطاء الذى لا ينضب ورسختم فى نفوسنا القيم النبيلة، أشكركم على هديتكم لى فى زمانى الذى مضى من علم وتعليم، وزمانى الآنى بكتابكم الذى غنمنا منه الشعر وأسلوب الكتابة السلس، بكلمات تصل للقلوب مباشرة، ولكم أعادنى وأنا أنهل منه قراءة وعلما إلى سنين الطفولة عبر "مشاهد وأحداث من الأربعينيات والخمسينيات"، لأتذكر عبر كتابكم رمضان فى أيامنا الخوالى، ونحن على مشارف هذا الشهر العظيم أعاده المولى عز وجل عليكم باليمن والبركات.

استاذى الغالى.. شكرى وتقديرى لصنيعكم لنا صغارا وكبارا ويكفينى شرفا أن استاذى ومعلمى الكبير الذى علمنى حروف الدنيا، أهدانى كتابه الغالى "غيض من فيض الكلام".